أدب و فنون

قرأت لكم : احمد فؤاد نجم ‘شاعر الغلابة’ الذي رحل شامخا ولم يعلن التوبة

قد يبدو غريباً أن يثيرَ موتُ رجلٍ في عقده التاسع شيئاً كثيراً لفلسطينيٍّ سوريّ في وقتٍ تحصد فيه آلةُ موتِ النظام السوري عشرات الشهداء يوميّاً، أمّا أن يكون ذلك الرجل هو الشاعر أحمد فؤاد نجم فتلك مسألةٌ أخرى

الشاعر المصريّ البسيط، إبن حواري وزقاقات القاهرة الأكثر فقراً وحرماناً، الذي حوّل كلام الشارع المصريّ العادي إلى شعرٍ سياسيٍّ غنيٍّ بسخريّته المرّة، ومُفعمٍ بروح الثورة والأمل، والذي كان بمثابة رافعةٍ لروح الشباب العربي المعنويّة بعد نكسة حزيران، وحافظ على ذلك حتّى زمن الربيع العربي
أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى، اللذان شكّلا في ستّينيات وسبعينيات وبعض ثمانينيات القرن الماضي ظاهرةً نادرةً تجلّت فيها توأمة الكلمة واللحن، الشعر والموسيقا، الكلمة الصادقة التي خرجت من الزنازين تدافع عن الفقراء والغلابة وتشدّ أزر الثائرين في فلسطين وأماكن كثيرة من العالم، وتنبضُ بالحبّ لمصر وأبنائها البسطاء وتاريخها ومستقبلها، واللحن العفوي المنسابُ من بين أصابع شيخٍ زاهدٍ فاقد البصر نيّر البصيرة
كلمة أحمد فؤاد نجم، وعود الشيخ إمام، وطبلة محمّد علي، كانوا بمثابة فرقة أوركسترا للشعب العربيّ كلّه، يغنّون سيمفونيّة الحياة، صوتهم أعلى من صوت كلّ وزارات الإعلام العربيّة التي حاربتهم، فتلقّفتهم قلوب الجماهير تتناقلُ أشرطتهم السريّة بالخفاء، وتحفظ أغانيهم عن ظهر قلب، لتشدو بها في سهراتها الحميمة، وبعدها في الشوارع والميادين: عمّال وفلاّحين وطلبة .. دقّت ساعتنا وابتدينا .. نسلك طريق ما لوهش راجع .. والنصر قرّب من عينينا
ولكنّ للشاعر نجم ما له، وعليه ما عليه، وممّا يُحسب له وقوفه إلى جانب الثورة السوريّة وانتقاده نظام الأسد ومعاتبته لصديقه السابق حسن نصر الله وتذكيره إيّاه بأنّ الأسد يفعل بشعبه مالا تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، رغم أنّ الشاعر نجم قد عاش في سوريا فترة طويلة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وكان منذ ظهوره بأمسية شعريّة في العام 1984 في صالة تشرين الرياضيّة بدمشق، (اللافت للنظر أنّ الشاعر أحمد فؤاد نجم قد أحيا وقتها هذه الأمسية منفصلاً عن رفيق دربه الشيخ إمام، الذي كان قد أحيا بدوره أمسيةً لوحده قبلها بأسابيع في نفس المكان) ضيفاً شبه دائم على الإحتفالات والمهرجانات الرسميّة السوريّة والذي كان آخرها مشاركته بمهرجان دمشق عاصمة ثقافيّة قبل سنواتٍ قليلةٍ فقط في قلعة دمشق، ولكنّ الشاعر الذي تحسّس نبض الجماهير طوال عقودٍ من النضال والمعاناة أبى إلاّ أن ينحاز لها
أحمد فؤاد نجم، الشاعر الفطري الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، مات في زمن إنكسار الحلم الذي كتب له وتنبّأ به، في زمنٍ لم تعد فيه مصرُ بهيّة، بينما أحفاد الحلواني الذي بناها يشاركون في هدمها

Home

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى