أدب و فنون

ذكريات لا تنسى

رمضان مبارك كريم ، وكل عام والجميع بألف خير.
بحثت عن متعة فلم أجد بعد المطالعة أفضل من الكتابة ، كيف لا تكون متعة وصاحبها يخوض مغامرة معرفية ولغوية وهو يتقلب بين الانشاء والخيال والحس والنشوة ، محاولا تشكيل صوته الداخلي على ورقة بيضاء تتراءى فيها الكلمات كظباء بريّة بينما هو على صهوة جواده يلاحقها ويصيدها بما أوتي من مهارة ودقة…ما فائدة الكتابة إذن إن لم تمنحك حرية أكبر من التي تعرفها في حياتك العادية … لقد بحثت عن مواضيع تصلح للتدوين خلال هذا الشهر الفضيل فانتابتني الحيرة . لكن حينما فكرت مليّا ، استقر رأيي على النبش في الماضي …أحداث ووقائع عايشتها فأصبحت منقوشة في الذاكرة ولم يستطع الدهر بعثرتها ، وسوف أبدل ما بوسعي لأسردها بنوع من التركيز والتريث لكونها متشابكة … من أين سأبدأ وعما سأتحدث ؟ ..لن ألجم مخيلتي ، وسوف أهبها كامل الحرية كي تنتقي وتفصّل ، وتقدّم وتؤخر…كما يحلو لها.
…شاءت الأقدر أن أدشن مشوار عملي بداية التسعينات ، حيث التحقت بمدينة العيون كمدرس للغة العربية .لن أحكي عن السكن والمعيشة والظروف المادية ـ لأنها أمور عادية لا جدوى من عرضها ـ . لقد آثرت عوض ذلك أن أتوقف عند سمات تميز ذلك الجيل من المتعلمين الذين أكن لهم كامل الودّ ، جيل يفتقرقاموسه الى مصطلحات من قبيل “التيكتوك والواتساب وما جاورهما” . جيل ينتظر الساعة السادسة مساء كموعد البث التلفزي الذي لا يعمّر سوى أربع ساعات ثمّ يتوارى ويدع مكانه للمذياع . جيل عاش في أحضان الطبيعة ، فلوّن من زهرها ناظريه ، وتأمل القمر محاطا بالنجوم ، وشاهد البرق وأصغي الى الرعد ، فتشكلت في ذهنه لوحة أدرك من خلالها سرّ عظمة الخالق. جيل مصدر معلوماته هو الكتب والمجلات والجرائد يتصفحها نهارا، أما ليلا فيلوذ للشمعة لتعينه على اتمام ما تبقى من واجباته . جيل مشبع بالوطنية ، يحفظ مواعد المناسبات عن ظهر قلب ، فينتظرها على أحرّ من الجمر ليعبر عن وطنيته بالمشاركة في الاستعراضات والحفلات . جيل زاوج بين المقرر الدراسي والانشطة الموازية فتعلم دروسا في المنافسة الشريفة من خلال المسابقات الثقافية والرياضية، والمجلات الحائطية والعروض والرحلات…ومهما وصفت فأعتقد أنني لن أفلح في نقل الصورة كما هي .
من بين أروع ذكرياتي مع هذا الجيل أن اقترحت .على مجموعة منهم المشاركة في اعداد مجلة بعنوان “مجلة المواهب” على أن يقوم كل عنصر بكتابة موضوع من اقتراحه مع ارفاقه بالصورة الشخصية والاسم والسن والهواية والعنوان العائلي . وفعلا تحمسوا للمبادرة وشاركوا بتلقائية …الى حدّ الآن الأمور عادية …انتهت السنة الدراسية وانفض الجمع ، وحل موسم ثاني وثالث وهكذا… ومجلتنا رهينة مكتبتي أعود اليها كلما انتابني الحنين الى الزمن الجميل . والآن وبعد مضي أزيد من ثلاثين سنة ، ارتأيت أن أنشر على شكل حلقات ما كتبه أولئك الأطفال الأبرياء آنذاك والذين أصبح أصغرهم حاليا يتجاوز أربعين سنة من عمره. سوف أنشر هذه المشاركات كما هي دون زيادة أو نقصان حفاظا على الأمانة الأدبية والأخلاقية ، مع الاشارة طبعا الى أسماء أصحابها. لأني أعتبرها بمثابة ديْن آن الأوان ليتوصل به ذووه …أملي أن أوفق في هذه المهمة…في انتظار أول حلقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى