أدب و فنون

ذكريات لا تنسى ( 9 )

بالرغم من كون وثيرة العقاب البدني أخذت تخف في مدارسنا حاليا، الا أن الأكيد هو كون الأغلبية قد نالوا نصيبهم من هذه الوجبة الطرية بطريقة أو بأخرى خاصة
في المراحل الأولى…شخصيا كنت أواظب مجبرا على حضور حصص حفظ القرآن في ” المسيّد ” بمعية أقراني من الجنسين . كان الفقيه أو “سيدي” ـ كما نفضل مناداته ـ يحرص على تحفيظنا بعض الآيات ، وبعض المبادئ الأولية في المعاملات والعبادات …كنا نحفظها عن ظهر قلب دون استيعاب مغزاها خشية الضرب. كنا نجلس على حصائر ، وكل منا يحتضن لوحة خشبية مهترئة ، وبمجرد بدء الحصة ، نطلق العنان للصراخ مرددين ما علق بذاكرتنا ، فتحريك الشفتين هو الدليل على المشاركة في القراءة الجماعية ، وكل متهاون أو ساه أو صامت يتعرض للعقاب : كان ” سيدنا ” يستعمل عصيّا من شجرة اللوز مختلفة الأطوال ، يستعمل القصيرة للأطفال في الصفوف الأمامية ، و الطويلة للجالسين في الصفوف الخلفية ، وكانت الضربات التي تستقبلها أجسامنا النحيلة شبيهة بلسعات العقارب ، الا أن ما يخفف ألمها هو ما سمعناه مرارا من الكبار ، فقد أكدوا أن أيّ جزء من الجسد تعرض للضرب لن تحرقه النار يوم القيامة . ولذلك غالبا ما يتباهى أحدنا على غيره كلما تلوّن جلده بآثار تلك العصيّ…مرت الأيام وانتقلت الى المدرسة وقد تنفست الصعداء ولسان حالي يردد : الحمد لله أخيرا تحررت من السجن وسوف أعانق حريتي . وما كادت بضعة أيام تنقضي حتى أصبت بخيبة أمل : فقد صادفت ما لم أكن أتوقعه ….رافقني والدي ذات مرة الى المدرسة وبينما كان يتبادل الحديث مع المعلم، استرقتُ السمع فتناهى الى أذني كلام لم أستوعب كنهه الا لاحقا …لقد كان أبي يوصيه ويطمئنه ويعطيه الضمانات من أجل مصلحتي ، وقال له بصريح العبارة ( غير نتا دبح وانا نسلخ ) فأدركت أنهما قد وقعا اتفاقية شراكة وما علي سوى الانصياع والرضخ …كان معلم الفرنسية يستعمل ( كروا الدراجة النارية ) كوسيلة، أما معلم العربية فسلاحه مسطرة حديدية . وتختلف طرق العقاب حسب نوعية وجسامة الخطأ ، فتارة تكون بالضرب على الأيدي أو الأرجل ( الفلقة) بالنسبة للأول ، بمساعدة تلاميذ ( غلاظ شداد ) ، وبالنسبة للثاني كان الضرب يتم على رؤوس الأصابع بالمسطرة الحديدية .. كانت هذه الطرق مؤذية وأكثر إيلاما بالنسبة لنا كصغار لازالت أجسامنا غضة وطرية، والغريب في الأمر أن آباءنا وأقاربنا جميعهم يعتبرون ذلك أسلوبا لا غنى عنه للتربية من منطلق » لعصا ما تخلي من يعصى » . كنا دائما نجتهد في البحث عن أساليب مضادة لتخفيف الألم كأن نحك البصل على أطراف أجسادنا المستهدفة ولكن دون جدوى… كان الجميع على يقين تام أن الحصة لن تنتهي دون الاستفادة من تلك الوجبة لأتفه الأسباب …والويل ثم الويل ، لمن شاهده المعلم يلعب الكرة أو يجري في الشارع ـ حتى ولو كان ذلك أثناء العطلة ـ فالعقاب سيكون عسيرا في اليوم الموالي أو بعد العطلة ، إذ يعمد المعلم إلى المناداة على المعني بالأمر ( على الريق ) لاختبار مدى حفظه واستيعابه للدروس ، وتكون مواد الاختبار الشفوي ( وهو اختبار بخلفيات مبيّتة وعن سبق إصرار وترصد ) عبارة عن سور من القرآن الكريم بالنسبة للعربية أو جدول الضرب والصرف بالنسبة للفرنسية … يوم واحد فقط هو الأسعد والأمتع عندنا ، كنا ننتظره بشوق كبير ولكن قلما يحدث : حين يتغيب معلمنا لعلة ما… وللتذكير فهذه الأساليب أصبحت متجاوزة ، وتمت الاستعاضة عنها بما يسمى بالعقوبات البديلة أو المواطنة ، وقد صدرت مذكرات وزارية تمنع العقاب البدني والمعنوي منعا مطلقا ، وتتوعد كل ممارس له بالعقوبات الإدارية والقضائية.
ومع ضيف الحلقة .
الاسم : بوسوفة الشافعي
تاريخ الازدياد : 1973
مكان الازدياد : العيون
المستوى : الثانية 5
الهواية : كرة القدم والمراجعة
العنوان : شارع بوكراع الحي الحجري رقم 211
موضوع المشاركة : “أقول لك سلفا مع السلامة “
جاء في أحد الأيام ضيف فاحتُفي به . ولما صار وقت الغذاء تهيأ لإطعامه فقدم الخبز أولا، وذهب ليأتي بالطعام ، ولما حضر لم يجد الخبز فعاد ليأتي به ، وحضر فرأى أن الطعام لم يبق منه شيء ، فذهب ليملأ الأطباق طعاما وعاد فلم يجد اثرا للخبز. وعندما نفذ الطعام من القدور ، والخبز من الزنبيل ولم يتمكن من جمعها معا ، سال الضيف : أين تقصد في رحلتك يا سيدي ؟ …فقال له : إني ابتليت بقلة الشهوة للطعام، وفي عزمي أن أذهب الى مدينة بروسية لأرى طبيبا يداويني وسأعود بعد شهرين إن شاء الله ، وأمكث لديك شهرين لأستفيد من هواء بلدتكم ومائها النقي. فقال له الشيخ : إني آسف كثيرا ،إني سأذهب غدا الى إحدى القرى ، وأمكث فيها مدة طويلة فلا أظن أنه يتيسر لنا أن نتقابل ، فمن الآن اقول لك سلفا : مع السلامة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى