أدب و فنون

كتاب “أمارك ن ؤسايس” يؤسس لمقاربات أنتروبولوجية للفنون الأمازيغية

   على مر الحقب التاريخية العديدة، أبدع الإنسان الأمازيغي ألوانا مختلفة من الفنون الغنائية والتعبيرية والفرجوية وغيرها. إبداع كان بالأساس بمثابة أدوات وآليات أسهمت بشكل كبير على امتداد التاريخ في تنشئة هذا الإنسان وتكوينه وتوجيهه وصقل قدراته وتنمية مواهبه وكفاياته على كافة الأصعدة اجتماعيا وثقافيا

تراث غني ومتنوع له أساسه الاجتماعي والثقافي الراسخ، لطالما وظف توظيفات مختلفة ولطالما صنف في خانة الفلكلور بعيدا كل البعد عن أية مبادرة تروم التعريف به والاهتمام به بله إنقاذه. وتعريفا بمختلف الألوان التي يزخر بها الفن الغنائي لدى الأمازيغ، إسهاما في تعبئة مختلف فعاليات المجتمع المغربي للعمل على إنقاذ ما هو صامد ومتوفر من فنون أسايس…أصدر مؤخرا الأستاذ الباحث إبراهيم أوبلا كتابا هاما يحمل عنوان: “أمارك ن ؤسايس، مقاربة أنتروبولوجية لفنون أسايس الأمازيغية”، يقع الكتاب في حوالي 274 صفحة من الحجم المتوسط وهو صادر عن إحدى المطابع بأكادير

يعد هذا الكتاب بحق بمثابة دليل مرجعي حول كل العناصر والمعطيات التي تتعلق بالفنون الغنائية التعبيرية التي مارسها الإنسان الأمازيغي منذ القدم إلى غاية اليوم، عناصر توفق المؤلف في الإحاطة بها درسا وتحليلا استنادا إلى منظور يزاوج بين آليتين أساسيتين: نظرية ثم تطبيقية. فمن جهة، وظف المؤلف مختلف الأدوات العلمية التي توصل إليه البحث العلمي في إطار دراسة التراث اللامادي خاصة ما له صلة بالانتروبولوجيا الثقافية في الجانب النظري، ومن جهة ثانية استثمر تجربته الفنية الممتدة في ممارسة فنون أحواش بمختلف مناطق المغرب لعدة عقود في الجانب التطبيقي

على مستوى المضمون، يحتوي الكتاب على مدخل عام تناول فيه مختلف الزيارات التي قام بها المؤلف لعدد من المناطق والجهات قصد جمع المادة الخام  التي شكلت مجالا للدراسة بالكتاب، وتضمن نفس المدخل تعريفا دقيقا لكثير من المفاهيم ذات الارتباط بفنون الأداء وفنون أسايس بشكل خاص. ومن أجل رصد التقاطعات القائمة بين مختلف فنون أسايس، فقد تم تخصيص الباب الأول من الكتاب لتحليل التعابير الفنية الثلاثة في فنون أحواش أي ما يهم التعبير بالكلمة والتعبير بالصوت ثم التعبير بالحركة. في حين تطرق الباب الثاني إلى استعراض أهم الفنون المزاولة بأسايس تبعا للمعيار الجغرافي خاصة ما يهم فنون أحيدوس بشرق الأطلسين الصغير والكبير، ثم فنون أحواش بمنطقة سوس بمختلف تنويعات هذا الفن سواء الممارسة من قبل الرجل أو تلك التي أبدعت فيه النساء أو هما معا بشكل جماعي نادر. ليختم الكتاب بالباب الثالث التي تركز فيه الحديث حول مستقبل فنون أسايس وجرد أبرز العوامل المهددة لبقائها واستمراريتها كفنون إنسانية خالدة منتمية للتراث الإنساني اللامادي

لم تغب التجربة الشخصية للمؤلف بامتدادها التاريخي وعمقها الميداني باعتباره فنانا ممارسا لمختلف فنون أسايس ودارسا جامعيا لها لسنوات طويلة في بصم عناصر كما محتويات هذا الكتاب الجديد. تجربة وممارسة ميدانية أغنت مضمون الكتاب وجعلت كاتبه يطمح إلى تأسيس أنتروبولوجية ثقافية خاصة بدراسة الأمازيغية من الجانب الفني. كما لم يغب البعد الحقوقي والقانوني في الدعوة إلى الاهتمام  بفنون الأداء التي خصها الكاتب بالدراسة والتحليل، وذلك حين تم استحضار مرجعيات منظمة اليونسكو في الدعوة إلى تثمين وصيانة وإعادة الاعتبار لمختلف عناصر التراث الإنساني اللامادي وتقديم العديد من المقترحات الكفيلة بتحقيق ذلك حفاظا على هذا التراث الإنساني العميق والعريق والمتفرد في نفس الوقت

إعداد: رشيد نجيب

http://www.tamazirtpress.net

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى