بقلم : الأستاذ المحجوب سكراني
دفعا للملل ، وبعيدا عن الاشاعات وتداول أخبار الرعب ، ارتأيت أن أتقاسم معكم هذه المحاولة المتواضعة ، متمنيا أن تروقكم …. عبارة عن حلقات تصور معاناة الأطفال تحت مظلة ” الحجر الصحي “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من يوميات طفل في زمن الكورونا تــــــابع 2
… وبمجرد ولوجه ، ألحت عليه الأم أن يغسل يديه بالماء والصابون ، وببراءته المعهودة سألها : وهل حان موعد الغذاء ؟ إذن سأوقظ أبي …أجابته بالنفي ، وأردفت : إن الصابون عدو ” لكورونا” فهو الذي يقضي عليها دون غيره . أحس بأشواك تنغرس في جسده النحيل وصاح منفعلا : مرة أخرى كورونا ، قلت لك ألف مرة لا ترددي على مسمعي هذا الغول …ورغم ذلك فقد انصاع للأمر وبدأ في فرك يديه لا رغبة في النظافة ، بل رهبة من الشر … وهو يداعب الماء المنهمر من الصنبور ، تخيل نفسه مستلقيا قرب شلال صاغيا لخرير مياهه المتدفقة ، ليفاجأ بصوت ينهره ويحثه على تفادي تبدير الماء ، انتبه وتذكر في الحين معلمه وهو يستدل بقوله تعالى ” وجعلنا من الماء كل شيئ حي ” فأدرك أن الذي وبخه على حق …صوت عويل يمزق سكون البيت ، اعتقد “علي” أن مصدره هو الفيروس الذي يتألم من جراء اجهاز الصابون عليه ، غير أن ذلك لا يعدو أن يكون بكاء أخته الصغرى أيقظها الجوع فأخذت تتلوى في مهدها كما حامل الفيروس في سرير الانعاش…جال الطفل في بيته المتواضع ، غرفتان ومطبخ ونافذة يتيمة ينفذ منها ضوء الشمس محتشما…رائحة البطاطس المقلية أزكمت أنفه ، ولم تدع ركنا الا وقد ختمت عليه توقيعها …من النافذة يتسلل صراخ الجارة “للا خدوج” وهي توبخ صغارها على ازعاجهم لها ، وتتوسل الى الله أن يرفع هذا البلاء لكي يعودوا الى أقسامهم لتنعم هي بقسط من الهدوء والسكينة .
أصغى “عبد القادر” باهتمام لما دار بين زوجته وابنه “علي” ، غير أنه تظاهر بالنوم ، وتعمد عدم اقحام نفسه في الموضوع لأنه على يقين تام أن اقناع الطفل بتقبل الواقع من باب المستحيلات ، أضف الى ذلك أنه بدوره لم يستوعب بعد ما يرى وما يسمع ، أو بالأحرى لا يرغب في ذلك ، لأن همه الوحيد والأوحد على الأقل في هذه الظرفية هو تدبير وضعه المادي الذي أملته ظروف اغلاق “مقهى السعادة ” حيث يشتغل كنادل …فبعد عشرة أيام بالتمام والكمال ـ كما سجلها في مذكرته ـ سيرغم على تسديد دفعة قرض بنكي استلفه قبل ثمانية أشهر بغية تغطية مصاريف العقيقة وعيد الأضحى…اضافة الى سومة الكراء وفاتورة الماء والكهرباء ، وكلها التزامات لا تعترف بالتأجيل أو المساومة…الوضعية تستدعي من ” عبد القادر ” أن يضرب الأخماس في الأسداس ، ويحاول قدر الامكان الحصول على التعادل …تقاذفته الهواجس ، وشعر بضيق واختناق ، فنفض عنه الفراش ويمم شطر المطبخ كعادته، وكل أمله أن يظفر بكأس شاي منعنع، تناوله في صمت رهيب و……..يتبع