أدب و فنون

ظاهرة الإنتساب إلى الأم : دراسة أولية لأنماط القرابة بالأطلس الصغير الغربي

سوس أونلاين:في إطار الدراسة الأولية لأنواع العلاقات الاجتماعية والأسرية داخل المجتمع الإفراني، والتي همت جوانب مهمة من الحياة الاجتماعية والقرابية، وبغض النظر عن التعقيدات الانتروبولوجية حول المفاهيم التي يجب توظيفها والجوانب التي يجب الاهتمام بها، فإن دراستنا هذه هدفها هو لفت الانتباه إلى ظاهرة اجتماعية، تميز المجتمعات التي تسمى تجاوزا بالمجتمعات الذكورية، ظاهرة تـُرصَد غالبا في المجالات الجغرافية التي عرفت في الماضي نظاما إميسيا –أو يُعتقد-، هي ظاهرة توحي في عمقها الرمزي إلى نوع العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع، خاصة علاقة الرجل بالمرأة، كما توحي في بعض جوانبها بمكانة المرأة داخل النواة الأسرية وداخل المجتمع، وتسمى هذه الظاهرة انتربولوجيا بظاهرة “الانتساب إلى الأم” أو ظاهرة “التركز حول الأم”.

   تشغل هذه الظاهرة الاجتماعية حيزا لابأس به داخل أنماط القرابة الأسرية بالمجتمع الإفراني، إذ نجد هذا النوع من التنظيم القرابي لدى الأسر التي تتميز بغياب الأب أو ضعف دوره داخل الأسرة، والتأكيد بالمقابل على دور ومكانة المرأة في الجماعة الأسرية، وتشير بعض الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أن مصطلح التركز حول الأم صِيغ للإشارة إلى الغياب الفيزيقي (الجسدي) للأب أو الزوج، وهو ما تؤكده دراستنا الأولية، إضافة إلى ذلك، نجد أن بعض الأسر تعرف هذا التنظيم القرابي رغم حضور الأب أو الزوج، لكن غالبا ما يكون حضورا ضعيفا وغير مؤثر على أفراد الأسرة، خاصة على المستوى الوجداني والعاطفي، ويمكن تفسير هذا التلازم المتناقض بالنظر إلى الجانب الاقتصادي المادي، الذي غالبا ما يتكلف به الأب أو الزوج[1]، وهو ما يدفعه خاصة في المجتمعات الفقيرة إلى الهجرة والاغتراب عن الأسرة وعن المجتمع، وبالرغم من أن الأب أو الزوج يحتفظ بروابط “تسلطية” واقتصادية قوية مع أسرته، إلا أن تأثيره على المستوى العاطفي والتربوي يكون ضعيفا جدا، بالنظر إلى حضوره الخافت في حياة الأسرة خاصة الأطفال. فهل يمكن اعتبار انتساب الأبناء إلى الأم عقابا اجتماعيا للأب على عدم حضوره داخل الأسرة والجماعة؟

   إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية العلاقات الأسرية داخل المجتمع، وقيمة الأبناء في الأسرة والمجتمع، وأهمية الانتساب وما يلازمه من القوة والسلطة والشرف…، يجوز الافتراض بأن تركز الأبناء حول الأم يمكن اعتباره عقابا اجتماعيا للأب، خاصة إذا علمنا أن سلطة الأب في المجتمعات التقليدية (الزراعية) تتقوى بما لديه من الأبناء، إضافة إلى أن المجتمع لا يعترف بالفرد عنصرا داخل الجماعة، إلا إذا كان يؤدي وظيفة ما لصالح هذه الجماعة، أما إذا كان مغتربا عن الأرض والجماعة، أو في حالة عدم تأديته لوظيفة ولدور ما، فإن المجتمع ينبذه ويعتبره إنسانا غير مرغوب فيه (النبذ الاجتماعي)، ولذلك يـُعاقب عقابا رمزيا على مستوى الأسرة بنسْب الأبناء إلى الأم، وعدم إشراكه في اجتماعات أهل “الحل والعقد” (إنفلاسن) كعقاب له على مستوى الجماعة.

   وتؤكد هذه الظاهرة الانتربولوجية إلى حد بعيد على أن المرأة هي الشخصية الأساسية في الأسرة، وفي تحديد هويتها واستمرارها، كما أن حضورها القوي على المستوى الوجداني والعاطفي والتربوي بالنسبة للأطفال، يعتبر عاملا أساسيا على ضوئه يمكن إعطاء تفسير آخر لظاهرة تركز الأبناء حول الأم.

   وتأكيدا لما ذكرناه يمكن الحديث عن ظاهرة إجتماعية أخرى تعتبر من العوامل الأساسية المسْهِـمة في تركز الأبناء حول الأم، وهي ظاهرة “الطلاق = أنــُّورْزْم” التي تعني انفصالا رسميا لرابطة الزواج “المقدسة”، والطلاق في عمقه الرمزي يجسد – إلى حد بعيد- طبيعة السيطرة الذكورية على مصير العلاقة الزوجية وعلى البناء الاجتماعي بصفة عامة، ويعتبر وسيلة يسيطر من خلالها الرجال على السلوك الجنسي للنساء. وحدوث الطلاق يعني تفككا نسبيا للنواة الأسرية مما يؤدي إلى تركز الأبناء حول الأم أو الأب.

   إن هذا الإنفصال في علاقة الزواج ينتج عنه كما أشرنا تركز الأبناء حول الأم، وبالتالي يحدث الإنتساب إلى الأم رغم تواجد الأب في القبيلة نفسها، إذ يُعـد الانتساب إلى الأب أثناء حدوث الطلاق نوعا من الازدراء وعدم التقدير للأم، خصوصا إذا كان الطلاق مفروضا من طرف الأب، ففي المجتمعات التقليدية (المحافظة) يُعد ارتكاب الخيانة الزوجية من طرف أحد الزوجين السبب المباشر للإنفصال، فإذا كانت الخيانة من طرف الأب، فإن الانتساب إلى الأم يكون شرفا للأم وعقابا للأب على تدنيسه للعلاقة الزوجية المقدسة، وإذا كانت الأم السبب في الإنفصال فإن الأبناء ينتسبون إلى الأب على الرغم من أن الأم هي التي تتكفل برعايتهم[2].

   فالإنتساب إلى الأم أو الأب أثناء حدوث الطلاق يُعد نوعا من العقاب الإجتماعي أو ما يمكن تسميته بنوع من “تطهير الإنتماء والإنتساب” من دنس الطلاق، كما يمكن تفسير ظاهرة الانتساب إلى أحد الأبوين أو غيرهما من الأقارب، من خلال التأثير النفسي والعاطفي على الأطفال، إذ نجد مثلا الإنتساب إلى الجدة نادرا جدا، ولكنه يجسد إلى حد بعيد هذا التأثير العاطفي رغم تواجد الأب والأم في البيت نفسه.

ذ. عبد الله ميشين


[1]–  ودلك في إطار التقسيم الفطري والعفوي للأدوار داخل الأسرة، إد يكون الرجل هو صاحب السلطة خارج البيت، في حين تكون للمرأة سلطة شبه مطلقة داخل البيت، وهدا التقسيم في الأدوار والسلط يجسده مثل أمازيغي منتشر بسوس، وهو خطاب أنوثي دو حمولة رمزية عميقة موجه للرجال على أساسه بُنيت العلاقة بين الرجال والنساء في المجتمعات التقليدية، يقول المثل: “فـْـلاتـَـنـْـغْ أنـْـوَالْ نْ فـْـلاوْنْ أوَالْ”، وترجمته الحرفية بالعربية “أتركوا لنا المطبخ نترك لكم الكلمة”، وهنا يصير المطبخ (أنـوالْ) مرادفا للبيت وهو المكان الذي اختارته النساء طواعية ليكون مجالا لسلطتهن بعد تنازلهن عن “أوال” الذي صار مرادفا للرجولة والسلطة الذكورية.

[2] – عقابا على الخيانة الزوجية يـُحرم الخائن –أبــا كان أم أمــّـَا- من نسبة أبنائه إليه، خصوصا بالمجتمعات المحافظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى