أدب و فنون

اليوم العالمي لحرف “تيفيناغ” يسائل استحضار الأمازيغية في الفضاءات العمومية

اليوم العالمي لحرف "تيفيناغ" يسائل استحضار الأمازيغية في الفضاءات العمومية

بحلول 19 نونبر من كل سنة يحضر اليوم العالمي لحرف “تيفيناغ”، والذي اعتمده المغرب رسميا لكتابة الأمازيغية في 10 فبراير 2003، بقرار من الملك محمد السادس بناء على الرأي الذي رفعه إليه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ وهو القرار الذي حسم حينها في سمي بـ”معركة الحرف” التي عرفت بنقاشات مستفيضة بين المؤيدين لاعتماد “تيفيناغ” وبين المؤيدين لاعتماد الحرف اللاتيني أو العربي في كتابة الأمازيغية، قبل أن يحسم التحكيم الملكي في هذا الموضوع.

ويشكل هذا اليوم مناسبة سنوية للفعاليات الأمازيغية لتسليط الضوء على أبجدية “تيفيناغ” وأصلها التاريخي ومسار تطورها، كما يشكل أيضا فرصة لتقييم مدى حضور هذا الحرف في الفضاءات العمومية المغربية ومدى استعماله من لدن المؤسسات إضافة إلى الإكراهات والتحديات التي يواجهها تعميمه على نطاق أوسع.

حروف قديمة وإكراهات عديدة

تفاعلا مع سؤال لهسبريس حول الأصل التاريخي لحرف “تيفيناغ”، قال عبد الله بوشطارت، باحث في التاريخ والثقافة الأمازيغية، إنه “لا يوجد تأريخ دقيق لمسار ظهور وتطور الكتابة الأمازيغية التي كانت تسمى بالكتابة الليبية القديمة؛ ذلك أن كل ما هو موجود إلى حد الآن عبارة عن دراسات وافتراضات، لأن البحث المعمق والجدي حول الكتابة واللغة الأمازيغيتين لم يبدأ بعد، لأنه يحتاج إلى إرادة حقيقية وبنيات بحثية دقيقة وصلبة”.

وأضاف بوشطارت، في تصريح لهسبريس، أن “التراكم العلمي المنجز في هذا الصدد في جله أنجزه الأجانب الذين اهتموا بمنطقة شمال إفريقيا والصحراء خلال الفترة الاستعمارية منذ بداية القرن الـ19. لذلك، تؤكد بعض هذه الدراسات المنجزة على النقوش الصخرية في الصحراء وليبيا والمغرب أن الكتابة الامازيغية أو الليبية كانت منتشرة قبل 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وكانت بصيغ مختلفة. كما أن المجال الذي تنتشر فيه هذه الكتابة هو عموم شمال إفريقيا من مصر إلى الجزر الكناري، ثم بلدان الصحراء إلى ضفاف نهر النيجر”.

وحول تقييمه لحضور هذا الحرف في الفضاء العمومي والمؤسسات، أورد المتحدث ذاته أنه “منذ سنة 2003 حينما تم ترسيم اعتماد حرف “تيفيناغ” لكتابة اللغة الأمازيغية داخل الدولة المغربية، بقرار ملكي حكيم، بدأ الحرف يظهر بشكل تدريجي في التدريس وفي منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وبعض الجرائد الورقية والإلكترونية.. ومع مرور الوقت، أصبح يحتل مساحات لا بأس بها في الفضاءات العامة والخاصة”، مضيفا: “مع إطلاق قناة الثامنة سنة 2010 التي اعتمدت على حرف “تيفيناغ” وبث بعض البرامج لتعليمها، أصبح الحرف الأمازيغي متداولا داخل المجتمع. وبعد ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور 2011، واصلت “تيفيناغ” انتشارها واقتحمت مساحات وفضاءات أخرى جديدة رسمية وغير رسمية”.

وبخصوص الإكراهات التي يواجهها تعميم “تيفيناغ” على نطاق أوسع، سجل بوشطارت أن “هذه الإكراهات كثيرة ومتعددة، وهي نفسها تلك التي تعيشها اللغة، من حيث محدودية الانتشار والاستعمال؛ ذلك أن قلة قليلة جدا هي من تكتب وتقرأ “تيفيناغ”، والسبب هو عدم تعميم تدريس اللغة الأمازيغية لعموم التلاميذ، فعلى الرغم من مرور عقدين من الزمن على بداية إدماج الأمازيغية في المدرسة فإن الحكومات المتعاقبة تتنكر للحق الدستوري للأمازيغية”، لافتا إلى أن “الأمازيغية ليست لغة إجبارية ولا توجد في جميع المدارس، ومنعدمة في المدارس الخصوصية ومحصورة فقط في التعليم الابتدائي، والسبب هو عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الفاعل الحكومي”.

القرار وتفعيل القانون

قال أحمد عصيد، فاعل أمازيغي، إن “حرف “تيفيناغ” أصبحت له مكانة في المدرسة المغربية وفي الفضاء العمومي ومؤسسات الدولة منذ 10 فبراير 2003، وهو قرار للدولة لا رجعة فيه، إلا إذا أردنا العودة إلى الصراع السابق بين الحرفين العربي واللاتيني؛ لأن الأمازيغ إذا حُرموا من حرفهم الأصلي فلن يقبلوا أبدا بغير الحرف اللاتيني المنتشر في جميع دول العالم”، مشيرا إلى أن “المعيار الذي ينبغي اعتماده في تقييم وضعية حرف “تيفيناغ” هو قابلية تعلمه من لدن الأطفال في المدارس، وليس إسقاط المواقف الإيديولوجية للكبار على الموضوع؛ فالطفل الصغير حسب علم النفس التربوي قابل لتعلم خمس لغات في الوقت نفسه ما بين سن السادسة والثانية عشرة”.

وأضاف عصيد، في تصريح لهسبريس، أن “الذين مازالوا يعارضون هذا الحرف فهم يتامى الإيديولوجيات البائدة؛ مثل القومية العربية والإسلام السياسي الإخواني والسلفي”، لافتا إلى أنهم “لا يعارضونه لأسباب معقولة؛ بل فقط لأنهم ما زالوا يتوهمون بأن الحرف العربي سيفرض على لغتنا الأمازيغية حتى تبقى تحت وصاية المنظومة الثقافية العربية الإسلامية. ونحن نرى أن الأمازيغ لا يقبلون الوصاية، وأنه لا توجد لغة تحيا وتزدهر وهي تحت هيمنة لغة أخرى”.

وخلص الفاعل الأمازيغي ذاته إلى أن “ما ينبغي عمله حتى يأخذ حرف “تيفيناغ” كل مكانته بحكم الدستور، الذي يقر الأمازيغية لغة رسمية للدولة المغربية، هو احترام وتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية والصادر سنة 2019 من لدن مؤسسات الدولة والذي ينص على ضرورة الكتابة بالأمازيغية بحرفها الأصلي على جميع واجهات مؤسسات الدولة وعلامات التشوير بدون استثناء، وكذلك رموز الدولة مثل أوراق الهوية والعقود والأوراق البنكية”.

هسبريس – توفيق بوفرتيح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى