أدب و فنونإداوزدوت

ذكريات رمضان في تمازيرت ـ الحلقة الثالثة

 463300_10150667951237620_146100414_oنما الوعي الديني لدي ذات رمضان،كنت دائما أرغب في تعلم الصلاة ،فالصوم الذي أصومه يبقى ناقصا دونها،كما أن صور الجحيم المستعر ترتسم في مخيلتي،فيكون لها وقع كبير في نفسي،كنت أخاف من دخول النار أكثر من رغبتي في الجنة،فأصررت على تعلم الوضوء والصلاة من تلقاء نفسي ،أخذت ورقة وقلما كتبت مراحل الوضوء بكل وضوح معتمدا على كتيب لتعليم الوضوء والصلاة للصغار،ألصقت الورقة أمامي بجدار “لمياضي”،وهو حمام تقليدي بسيط،مخصص للاغتسال والوضوء ،يوجد في ركن الغرفة،له انبوب لتصريف الماء الى الخارج،توضأت متتبعا مراحل الوضوء على  الورقة، وقمت للصلاة ايضا بنفس الطريقة،ومنذ ذلك الحين أواضب على الذهاب الى المسجد .
كنت فخورا لما علم والدي بالخطوة التي أقدمت عليها،كما أشاد بتعلمي الوضوء والصلاة بمفردي والشروع فيهما عمليا.كنا نصلي معا داخل المنزل وكنت أجد في ذلك لذة لا توصف!


كانت حلقات الوعظ التي يعقدها إمام المسجد عقب صلاة الظهر مثار اهتمام واعجاب شيوخ الدوار ،فيصيخون أسماعهم وعيونهم مشدودة الى فم سي مبارك “المبارك”،حيث يجذف بنا نحو غابر الأزمان فيقص علينا أخبار الأولين،كانت حلقات ترفيهية ممتعة تغني عن أجهزة التلفاز النادرة في الدوار حينذاك،ويستمد سي مبارك قصصه العجيبة من كتب قديمة،كان كتاب “بدائع الزهور” هو الأثير لديه،لفه بعناية ، يخرجه برفق خشية تطاير وريقاته الصفراء الثمينة، ويقرأ منه ما تيسر من قصص هاروت وماروت ويأجوج ومأجوج والنبي ادريس وسفينة نوح…كان حكيه مزيجا عجيبا من القصص القرآني وتفاصيل مستمدة من التوراة والكتب المقدسة القديمة مما لم يرد في التراث الإسلامي ،وجرعة من الخرافات وفهمه الخاص!!
كانت اولى حلقاته الافتتاحية عن بداية البدايات وكيف خلق الله الأشياء قبل آدم،وذكر أن ابليس اللعين لما اراد أن يزرع ذريته في الأرض ،نكح نفسه، وباض أربع بيضات وضع كل منها في قطر من اقطار الارض ،فخرج منها خلفه لإغواء بني البشر !!
لما استنفذ سي مبارك حكايا “بدائع الزهور” أخذ تفسير ابن كثير المغلف بكيس بلاستيكي،واخذ يشرح منه شرحا خاصا،يجتزء المعاني،ويقف كيفما اتفق،دونما مراعاة للفواصل والنقط ،كان يلوك الجمل والعبارات لوكا ويعصرها عصرا عله يخرج منها بفهم ما ،يشفي به غليل الاعناق المشرئبة والآذان المشدودة اليه،كان يجتهد أيما اجتهاد لكنه غالبا ما يخطئ،فعبارة “ثمرة فؤاده” تصبح حسب الفقيه “تمرة ركبته”!!
كان لا يأبه بي في أول الأمر لصغر سني،والحال أنني أدرك كل شيء ،وأتجاهل شروحاته العجيبة دون أدنى تدخل ،حتى اختبرني ذات مرة،حينما أشكلت لديه كلمة” ثعلب” وشرحها للحاضرين على أنها “ثعبان” ،فتدخلت مقتنعا أنه لا مجال للسكوت والتستر على هذه “القنبلة” !!
ويحصل أن تستعصي عليه احدى العبارات،أو يقتحم الحلقة أحد المتعلمين من الكبار،فيصرف انتباه الجميع الى حديث آخر،ملقيا سؤالا الى “الدا علي”:
-كم ثمن الطماطم في السوق اليوم يا علي؟؟
كان السؤال كافيا لتوجيه الحديث نحو أثمنة الخضر وغلاء المعيشة، وأخبار السوق والناس…

بقلم عمر الأمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى