لقد بعث الله عز وجل نبيه بالهدى والنور ، فهدى البرية وزكى البشرية ، واطمأنت إليه القلوب وانشرحت به الصدور ، بعثه رحمة للعالمين وقدوة للأخيار والصالحين ، بعثه ليتمم من الأخلاق مكارمها ، ومن المكارم أجملها ، فكان صلوات ربي وسلامه عليه إمامها وهاديها ، فأقسم له ربه جل وعلا من فوق سبع سموات أنه قد حاز أفضلها وأشرفها وأعظمها فقال جل وعلا ” وإنك لعلى خلق عظيم ” نعم .. كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، كَمُلَ أدبُهُ مع ذي العزة والجلال ، فزينه وكمله بأفضل الشمائل والخصال ، فهو مع ربه أكمل الناس أدبًا وأشدهم خشية له وخوفًا منه ” إني أخشاكم لله وأتقاكم ” قام في جوف الليل حتى تورمت قدماه من القيام وصام النهار فما مل ولا سَئم بل واصل الصيام
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان دائم البِشْر طليق الوجه بالسرور ، يقول جرير بن عبد الله : ما لقيت النبي إلا تبسم في وجهي
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان جوادًا كريمًا ، يُعطي الشاة والبعير وما كان في بيته صاع من شعير و ما سُئل عليه الصلاة والسلام شيئًا فقال : لا , يقول عنه تلميذه حبر الأمة وترجمان القرآن القبس والنبراس عبد الله بن عباس وعن أبيه : كان النبي أجودُ بالخير من الريح المرسلة
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان برًا بالعباد رحيمًا ، رحيمًا في دعوته ، رحيمًا في توجيهه وحكمته رحيمًا بالأمة حتى في صلاته وإمامته ، كان يصلي في الفجر بالستين إلى المائة آية ، فدخل ذات يوم يريد أن يطول فسمع بكاء صبي فقرأ بـ ” إنا أعطيناك الكوثر ” فلما انفتل من صلاته قال ” إني سمعت بكاء صبي فأشفقت على أمه ” وكان يوصي الأئمة ويقول : إذا أمّ أحدكم بالناس فليخفف ، فإن وراءه الضعيف والسقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق وهو على منبره يُفصّلُ الشريعةَ والأحكام ويأخذ بمجامع القلوب إلى طريق السلم والرحمة والسلام ، فما كان يجرّح ولا يعنف ولا يُشهِّرُ ولا يكسر الخواطر ، لم يكن جبارًا ولا فظًا ولا سخابًا ولا لعانًا ، كان يقول عليه الصلاة والسلام : ما بال أقوام ، ما بال أقوام
كان جوادا عظيمًا في الأخلاق ، فما كان يُعرف من بين صحابته من تواضعه بأبي وأمي صلوات ربي وسلامه عليه ، حتى كان القادم يقول : أيكم محمد ؟ أيكم محمد ..؟
كان رحيمًا بالأحياء والأموات ، إذا جن الليل وأرخى سدوله ، خرج إلى بقيع الغرقد يقف على قبور المؤمنين والمؤمنات ، يسأل ربه بصالح الدعوات أن يُسبغ عليهم الرحمات ، ولما توفيت المرأة السوداء التي كانت تَقُمُّ المسجد قال أوما أخبرتموني ، فصلى عليها ودعا لها
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، إذا دخل بيته ملك قلوب أزواجه بالعطف والإحسان والرحمة والحنان ، فقد كان خير الأزواج وأبرهم وأفضلهم
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، ما عاب طعامًا وُضع بين يديه ، ولا سب امرأة ولا شتمها ولا ضربها ولا أهانها ، كان يُكرم ولا يهين ، يُعزُّ ولا يُذلُّ ، إذا جاءت زوجته بالشراب أقسم عليها أن تشرب قبله ، وإذا شربت من الإناء وضع فمه حيث وضعت فمها ، وكان يؤتى له بالمرق والعظم فيه اللحم فيقسم عليها أن تنهش منه قبله فإذا نهشت منه وضع فمه حيث وضعت فمها
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، حينما دخل عليه الأعرابي فبال في مسجده وهو جالس والصحابة ينظرون وينهرون ويمنعون ، فقال لهم ” لا تزرموه ” فدعا الأعرابي قائلا ” اللهم ارحمني وارحم محمدًا ولا ترحم معنا أحدًا ” وصلى بأصحابه يوما فصاح رجل وتكلم في الصلاة ، فما زال الصحابة يسكتونه حتى رمقوه بأبصارهم ، فصاح الرجل : واثُكل أماه ، فلما سلم قال الصحابي : فبأبي وأمي ما رأيت معلمًا كرسول الله فوالله ما كهرني ولا شتمني ، ولكن قال لي : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والاستغفار وقراءة القرآن