المزيد

حسن الظن وسلامة الصدر

حسن الظن وسلامة الصدر

 قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ الحجرات: 12
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:  إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث   , متفق عليه
وروى ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني في السلسلة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى الكعبة فقال:  ما أعظم حرمتك وما أعظم حقك، والمسلم أعظم حرمة منك، حرم الله ماله وحرم دمه وحرم عرضه وأذاه، وأن يظن به ظن سوء
وسوء الظن بالمسلم يدعو إلى الخوف وتوجس الشر منه، وبالتالي التجسس والتحسس، وما يترتب على ذلك من التقاطع والتدابر وفساد القلوب، وكلها أخلاق ذميمة نهى عنها الشارع الحكيم، وطيب القلوب وسلامة الصدور وستر العيوب وتجاهلها والتغافل عنها من شيم فضلاء المسلمين مع إخوانهم
قال الغزالي في الإحياء: فكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساوئ أخيك، يجب عليك السكوت بقلبك وذلك بترك إساءة الظن به، فسوء الظن غيبة بالقلب ولا تحمل فعله على وجه فاسد ما أمكنك أن تحمله على وجه حسن، وتحمل ما تشاهده من سيئ على سهو أو نسيان
ويجب أن يعلم أنه لا منافاة بين كون الشخص يأخذ الاحتياطات اللازمة لأمنه، وبين كونه حسن الظن بالناس، فحسن الظن بهم لا يعني أن تفرط في نفسك أو مالك، وهذا منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم
لعله يحسن بنا قبل الشروع في بيان مفهوم (حسن الظن) أن ننظر إلى معنى الظن لغويًّا؛ حيث إنه يدل على أكثر من معنى


حسن الظن لغة
 الحسن: الحاء والسين والنون أصل واحدٌ، فالحسن ضد القبح، يقال: رجلٌ حسنٌ، وامرأة حسناء، وحُسانةٌ، والحسن الجمال
أما الظن في اللغة فإنه مصدر قولهم ظن يظن ظنا، وهو مأخوذ من مادة (ظ ن ن) التي تدل على معنيين: أحدهما اليقين والآخر الشك
الظن اصطلاحًا
قال الكفوي: الظن: أخذ طرفي الشك بصفة الرجحان وقال أيضًا: والراجح إن قاربه إمكان المرجوح يسمى ظنا، أو هو التردد بين طرفي الاعتقاد غير الجازم
وقال ابن العربي: الظن تجويز أمرين في النفس لأحدهما ترجيح على الآخر
وعلى هذا فحسن الظن ترجيح جانب الخير على جانب الشر
معاني كلمة الظن في القرآن الكريم
ورد الظن في القرآن مجملًا على أوجه
بمعنى اليقين، وبمعنى الشك، وبمعنى التهمة، وبمعنى الحسبان
أقسام الظن وأحكامه
صفوة القول أن الظن لا يخرج عن أمور خمسة
الأول: الظن المحرم، وهو سوء الظن بالله، ويقابله وجوب حسن الظن بالله
الثاني: حُرمة سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة، والمطلوب حسن الظن بهم
الثالث: الظن المباح، وهو الذي يعرض في قلب المسلم في أخيه بسبب ما يوجب الريبة، وهذا الظن لا يُحقق
الرابع: الظن المندوب إليه، وهو حسن الظن بالأخ المسلم وعليه الثواب
الخامس: الظن المأمور به، وهو الظن فيما لم ينص عليه دليل يوصلنا إلى العلم، وقد تعبدنا الله بالاقتصار على الغالب الظني فيه، كقبول شهادة العدول وتحري القبلة وأُروش الجنايات التي لم ينص في تقديرها
ومن هنا يتضح لنا أن مسلك حسن الظن بالله مسلك دقيق، ومنهج وسط بين نقيضين، لا يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصًا له سبحانه. ولذا كان على المؤمن أن يتحرى معرفة المنهج الصحيح في حسن الظن بالله حتى لا يقع فيما نهى الله عنه من الغرور أو سوء الظن بالله تعالى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى