إداوزدوت

النحيت : بخصوص تداعيات الصدامات التي تسبب فيها أعوان مالكي قطعان الجمال القادمة من الصحراء

بتعليمات من السيد عامل الإقليم، انعقد يوم الجمعة 03 يونيو 2022 بمقر قيادة والقاضي دائرة إغرم إقليم تارودانت، لقاء حضرته السلطات الأمنية المحلية والإقليمية برئاسة السيد رئيس قسم الشؤون الداخلية بالإقليم ورؤساء جماعات والقاضي والنحيت، والمدير الإقليمي للوكالة الوطنية للمياه والغابات، بخصوص تداعيات الصدامات التي تسبب فيها أعوان مالكي قطعان الجمال القادمة من الصحراء بجماعة النحيت والتي مست السكينة العمومية وتسببت في اضطراب إحساس الساكنة بالأمن وصاحب ذلك تحرك للمجتمع المدني لمواكبة هذه الأزمة والمساهمة في إيجاد حلول مؤقتة لتداعياتها.
وفي هذا اللقاء جمعني نقاش قانوني بالكولونيل المدير الإقليمي للمياه والغابات بتارودانت حول حدود مسؤولية إدارته في تنفيذ القرار العاملي بخصوص احترام عرف أكدال، وكذا تأويل مقتضيات حقوق الإنتفاع المنصوص عليها في ظهير 04 مارس 1925 المتعلق بحماية و تحديد غابة الأركان، الحقيقة أن جزء من النضال الحقيقي ينبغي أن ينصب حول مسألة التشريع التي يتحمل مسؤوليتها نواب الأمة بالغرفتين، فأعوان الإدارة بمختلف تخصصاتهم، من الأجهزة الأمنية وأعوان المياه والغابات وأعوان السلطة يجدون أنفسهم مكتوفي الأيدي أمام ضبابية بعض التشريعات ومحدودية السلطات الموكولة لهم.
نعود للنقاش مع الكولونيل المدير، لأؤكد كما قلت في محطات عديدة أن التعبئة ينبغي أن تنصب حول إخراج جيل جديد من الحقوق و الضمانات المكفولة لذوي الحقوق في غابة الأركان، بالرغم من كون مقتضيات حقوق الانتفاع تشير صراحة إلى تخصيص حق الرعي في غابة الأركان لذوي الحقوق وحدهم دون غيرهم، و هم أبناء القبائل التي كانت تسكن مجال الأركان زمن صدور ظهير 1925، في المقابل لا توجد ترسانة قانونية تطبيقية واضحة تمكن أعوان المياه و الغابات من منع الأغيار من الرعي في هذه الغابة و تسجيل مخالفات ضدهم، إذ لا يمنحهم القانون ذلك إلا في المحميات الغابوية و المجالات المزروعة بالأركان.
لقد اقترحت في هذا النقاش وفي مناسبات سابقة، إسقاط تجربة محلفي مراقبة القنص على مجال حماية الأركان، فقد كانت إدارة المياه والغابات تمنح أعضاء الجامعة الملكية للقنص جزء من الصفة الضبطية لمراقبة مخالفات قانون القنص وتسجيل المخالفات، وطالبنا بمنح إمحزين أو إمشورضا تلك الصفة لمراقبة تطبيق العرف القبلي المتعلق بحماية شجرة الأركان.
إن حقوق الانتفاع المنصوص عليها في ظهير 1925 مستوحاة من متطلبات الحياة القروية لبداية القرن العشرين وهو أمر لا يستقيم اليوم بعد مرور قرن من الزمن، تغيرت معه الحياة ومتطلباتها في مجال الأركان وفي البادية المغربية بشكل عام، فالاجتهاد القانوني الذي ينبغي أن تضلع به المؤسسة التشريعية في مراجعة هذا الظهير يحتاج لمزيد من الشجاعة والابتكار لتحديد جيل جديد من الحقوق، يستحضر حقوق الساكنة المحلية، ويعيد إلى الواجهة أدوارهم السابقة والحالية في حماية هذه الثروة الكونية، ويأخذ بعين الاعتبار:
التمويلات التي تتلقاها الأجهزة العمومية باسم غابة الأركان والتي ينبغي أن يصل أثرها الفعلي إلى ساكنة مجال الأركان.
الاعتراف الرسمي بالأعراف القبلية في تدبير غابة الأركان وتعزيزها بواسطة التشريعات الملائمة.
إلتقائية السياسات العمومية وبرامج عمل الجماعات في مجال الأركان حول مطلب الحماية والاستدامة.
نعود إلى صلب النقاش خلال هذا اللقاء، لنؤكد بكل حيادية وتجرد، أن المقاربة الأمنية لا تكفي وأنها محدودة في الزمان والمكان، بالرغم من أهميتها لا ينبغي أن تحجب عنا باقي الأبعاد والمسؤوليات المرتبطة بهذا الملف ونلخصها فيما يلي:
ضرورة التحديد الصريح للمجالات الرعوية على المستوى الوطني والاسراع بإخراج الدراسة المتعلقة بالمسارات الرعوية والمصادقة عليها وتعزيزها بالنصوص القانونية الضرورية.
إخراج النصوص التطبيقية الضرورية لتنفيذ القانون 113.13 المتعلق بالمراعي وتنظيم الترحال لتمكين أعوان الضابطة القضائية ومحلفي وزارة الفلاحة من ترتيب الجزاءات المتعلقة بمخالفة القانون المذكور، ذلك أن غياب أي إطار قانوني للنشاط الرعوي يمس بالأساس حقوق الساكنة الأصلية ويجعل محترفي فوضى الرعي بمنأى عن أية مساءلة.
وبمناسبة هذا الموضوع ولكون الأحداث التي نتأسف عليها مرتبطة بغابة الأركان، ووقعت بجماعة النحيت، قبيلة إداوزدوت، بإقليم تارودانت، نعود قليلا إلى الوراء لنقرأ أجزاء من التاريخ، وأنشر بين أيديكم جزء من وثيقة وصفت بالسرية آنذاك، حصلت عليها من الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي بمدينة Nantes الفرنسية، وتندرج ضمن الوثائق التي أنجزها ضباط الشؤون الأهلية بدائرة تارودانت ملحقة إغرم في وصف أحول القبائل ما بين سنتي1927 و1956.
وأترجم جزء من مضمون الوثيقة رغم حالة طباعتها وصعوبة القراءة، والمتعلق بموضوع النقاش: (…كانت مناسبة التحديد الإداري لغابة الأركان من طرف إدارة المياه والغابات سببا لتغير مواقف قبيلة إداوزدوت…تجار البقالة بالدار البيضاء المنتمون لفخدات أيت النحيت، أيت أوعكمي وأيت موسي، اجتمعوا وقرروا معارضة ذلك التحديد، فخدة أيت تافراوت ضلوا خارج هذا الاحتجاج لكونهم لا يمتلكون أشجار الأركان. بعد عدة مظاهرات متوترة نسبيا، فخدة أيت موسي سيغادرون هذه الحركة ويتركون أيت النحيت وأيت أوعكمي في المواجهة، هاتين الفخدتين وخاصة أيت النحيت بمساندة جيرانهم – أرجح أنهم قبيلة إداونضيف- وبمساندة محاميهم الفرنسي سيزيدون من صلابة مواقفهم…وفيما بعد سيتعاقدون مع البشير بن العباس وهو محام مغربي معروف جدا بأفكاره الوطنية الأكثر جرأة.
إن الاتصالات المتكررة التي نشأت بين أيت النحيت ومحاميهم الوطني ستؤدي تدريجيا إلى تكوين خلية تابعة للحركة الوطنية بالنحيت، وبينما لم يتقدم أيت أوعكمي في هذه الحركة فقد ضلوا متعاطفين مع جيرانهم أيت النحيت الأكثر التزاما في هذه المعارضة.
في دجنبر من سنة 1952 سيتم اعتقال ستة من الشخصيات – النحيتية- الأكثر تأثيرا في هذه الحركة بمعية أربعة أشخاص آخرين – لا تظهر الطباعة الرديئة، الكلمة التي تصفهم في الوثيقة- وستتم محاكمتهم ومعاقبتهم بعقوبات سجنية تراوحت ما بين ستة وثمانية عشر شهرا.
رغم اعتقال الشخصيات المؤثرة لم تتوقف هذه الحركة، فبالرغم من تحسن الحالة النفسية العامة état d’esprit لدى أيت أوعكمي فهي مازالت سيئة لدى أيت النحيت، فعلينا إذن مراقبة هذه الفخدة عن قرب وقمع كل إشارة أو حركة أو موقف رفض دون ضعف أو تأخر.
تحدثت الوثيقة عن الحالة النفسية العامة état d’esprit لقبيلة إداوزدوت والتي وصفتها كما يلي: (تتأثر بسرعة حينما نمس أو نبدو أننا نمس بالمصالح الجماعية…أزدو-أي المنتسب لقبيلة إداوزدوت- ذو كبرياء ومعتز بنفسه، وخاصة أو النحيت، أزدو مستعد دائما لبناء حلف ضد كل ما يزعجه، ليس بالضرورة أنه يسعى كليا لإزالة الوضع القائم بقدر ما يسعى لإظهار أهمية شخصه وبطولته).
نعود إلى التاريخ لنفهم بعضا من سلوكيات الحاضر، ونجدد ثقتنا في المؤسسات رغم الإكراهات والصعوبات التدبيرية التي تواجه المسؤولين المتواجدين على الميدان بالخصوص، وندعو كافة الفاعلين إلى توحيد الجهود كل من موقعه، وتجاوز التعامل المناسباتي مع هذا الملف وتجنب كل توظيف سياسوي قد يرجح مصالح فئة على أخرى أو يعيق عمل السلطات العمومية المختصة.

Commenter

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى