التحق المؤذن باكرا كباقي أقرانه إلى المدينة المنجية العجيبة صانعة الرجال ومهد التجارة العاصمة الاقتصادية للمغرب وتقلب في عدة دكاكين ومتاجر لبيع المواد الغذائية العامة في ملك أبناء عمومته ايت بوقدير كمساعد تاجر حتى اتقن الحرفة وأصبح يبيع ويشتري وساعده في ذالك ما تلقى من تعلم القراءة والكتابة عند السي موح اعبد الفقيه العالم بتمزكيد نيغرمان وتعلم الفرنسية والبرتغالية نظرا لاحتكاكه بالزبائن الذين يتعاملون معهم وأصبح سكرتيرا لعدد من التجار الذين لم يتمكنوا من التعلم ولكن يديرون تجارتهم بحنكة كبيرة يحفظون أسماء السلع وثمنها ومقدار الربح عن ظهر قلب ومنهم من يضع رموزا بالفرنسية ككتابة الأطباء ومنهم من يرسم شكل البضاعة إذا تعذر عليه وضع رمز لها ولكن وجدوا في الحسين ضالتهم يفك الرموز ويسجل البضاعة ليفهمها الزبون يذهب إلى سوق الخضر في الصباح ثم يعود ليشتغل في الدكان ثم في المساء يذهب إلى سوق درب عمر للبحث عن أجود البضاعة وأرفقها ثمنا ثم يتم عمله إلى الليل لا يكل ولا يمل ولهذا تجد الطلب عليه كبيرا ويحاول التجار الرفع من أجره والرغبة في العمل معهم
ولكن ارتباطه بأمه العجوز الضريرة وزوجته الوفية يعود كل حين ليزورهم وكانت هذه الزوجة المحبة تغار عليه من زوجات أبناء أعمامه وتخاف عليه من العين لأنه كان يملك جسدا قويا وقامة فارعة ووجها موردا يخاله من لا يعرفه من منطقة دكالة , وللتذكير فان اغلب سكان دكالة امازيغ انزاحوا من الجنوب بسبب توالي سنوات الجفاف واستقروا بضفاف واد أم الربيع , قلنا كانت إذا أراد أن يخرج تلبسه جلبابا قديما على ملابسه وطربوشا كبيرا وتأمره بل ترجوه أن لا يقلعهما حتى يجتاز مجلس النساء متنكرا
كان الحسين رجلا فاضلا محبا للخير ومعتزا ببلده وأبناء عمومته يساعد قدر المستطاع كل من قصده يتسوق للأرامل والنساء اللواتي تغرب أزواجهن لطلب الرزق في المدن ويساعد الفلاحين في جمع المحصول ويكون أول الحاضرين ويعمل بتفان ويشجع العمال ولو كان الوقت ليلا , يعمل أكثر من عشرين ساعة في اليوم يساعد في جز الصوف كونه هو والمرحوم سعيدبن الهاشمي ثنائيا يعملون في البناء يساعد بعضهم بعضا بالمجان , استطاعا أن يشيدا عدة مساكن بالشارع الرئيسي بافيان وقد شيد غرفة كبيرة بباب افيان تسع لأكثر من ستين شخصا وجهزها بالفراش والأواني ووضعها تحت تصرف جماعة افيان لاستقبال ضيوفهم واجتماعهم في الأعياد والأعراس
مل الحسين من الذهاب والإياب والعمل في المدينة فقرر الاستقرار بالدوار بصفة نهائية اخذ يبيع ويشتري في الخضر بسوق الثلاثاء ولقد سماه أصحابه وزبائنه الحسين أخضار ثم التحق بمدرسة سيدي إبراهيم بن عامر العتيقة بافيان كمؤذن وسموه الحسين المؤذن
كان الحسين يحب السمر مع أقرانه وخاصة قيدوم افيان احمد بن الحسن اكري قلما يفترقان فاكري يخطط للولائم والحسين ينفد فهو المكلف بإعداد طواجن الدجاج البلدي إذا كثر المدعوون فان اكري يأمره إلا يزيد ولو نقطة ماء في الأكل عند الاحتراق بل يزيد الزيت أو اركان كلما دعت الضرورة لذلك ولما سأله عن السبب رد عليه هامسا لكي يتزاحم معنا أصحاب الكومير مرضى المعدة والمصارين وياخر تقديم الأكل إلى غسق الليل حتى ينام الذباب ويعني به المعتادون على النوم باكرا
اشترى الحسين بندقية صغيرة وكان يذهب في الصباح الباكر إلى منطقة افرض السد المائي لافيان في فصل الربيع تأتي العصافير لتشرب منه ويقتنصها حتى يملا جرابه ثم يعودان ويطبخان ما اصطادوه ولو كان كثيرا وكان احمد يحب اكل العصافير لحمها وعظامها الطرية كما الحسين مولعا باصطياد الارانب والحجل البري بواسطة الفخ وكذلك القطط البرية والثعالب
تعرض الحسين لمرض خبيث اجريت له عملية جراحية لم تكلل بالنجاح وكانت سببا لوفاته رحمه ودفن بمقبرة افيان تاركا ثلاثة اولاد وبنتين