المزيد

قرأت لكم : إلى كل الرودانيين و الرودانيات الذين ذرفوا الدموع صبيحة الثلاثاء الأسود

mosquetaroudant1_737425091إلى كل الذين ذرفوا الدموع صبيحة الثلاثاء الأسود
إلى الذين استيقظوا من مراقدهم على هول الكارثة
إلى الذين أطلوا من سطوح المنازل المجاورة للمسجد الكبير و أياديهم على رؤوسهم
إلى الذين هرولوا و تسابقوا بدون فطور و بدون قهوة الصباح ليشاهدوا الصرح التاريخي يتهاوى وتأكله النيران قطعة قطعة، و بابا بابا ، و خشبة خشبة
إلى الذين امتزجت دموعهم بلعابهم فصار الريق مالحا مرا يخرج من أفواههم و ينسكب حبات على خدودهم
إلى كل الرودانيين و الرودانيات الذين حملوا هواتفهم ليعرفوا أخبار الذاكرة
المسجد الأعظم بتارودانت كان دوما هو الملجأ، هو الحضن ، هو الطمأنينة ، هو السكينة ، هو الأب ، هو الأم
لا أنسى أبدا عندما كان والدي رحمة الله عليه يوصينا ونحن صبيان بأداء الصلوات الخمس وراء الإمام و الفقيه الحاج محمد بركات رحمه الله ، و قراءة حزب الفجر والمغرب مع الجماعة ، و جزء من البردة و الهمزية و الإستماع إلى أحاديث الفقيه الجليل الحاج الويجاني البودراري رحمة الله عليه
كان الجو ربانيا بين سواري و أسقف هذا الصرح الكبير ، كانت نافورة المسجد تتوسط الساحة و أشجار الليمون تحفها من كل جانب ، و تتدفق المياه العذبة في عنان السماء ، نغسل بها وجوهنا و أطرافنا ثم نهرول مسرعين إلى أطباق الكسكس التي يأتي بها المحسنون كل خميس ، خاصة عائلة بن صالح المجاورة سكناها للمسجد الكبير جزاها الله خيرا ، كنا نتسابق لنبحت عن قطعة لحم وسط خضر الكسكس ونتزاحم بأكتفنا الصغيرة مع الفقراء و المساكين و الدراويش ، وكانت أعظم ليلة نقضيها في هذا الرياض الرباني هي ليلة القدر، نصلي مع المصلين ، نستنشق روائح البخور العطرة ، ثم نصعد إلى الصومعة لنبَلِّغ شموخنا و سلامنا إلى كل الساكنة ..و إلى منازل المدينة و جنانها، كانت ترافقنا العديد من نسوة المدينة و بناتها و نحن نصعد أدراج صومعة لا زالت شامخة واقفة بعد الحريق ، ثم ننزل أدراجنا لننسل بين صفوف المصلين نراقب من بعيد و نحصي عدد الطواجين و تباصيل الكسكس لنلتهمها في الوقت المناسب
مرت الأيام هكذا في أواخر الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي ، حيث كان آذان المرحوم ” فيو مسعود ” يصدح في أرجاء المدينة ، و كانت تهاليل محمد نجمي تأسر قلوبنا ، و نحن في الهزيع الأخير من ليالينا
لكن ما أحزننا في الإصلاح الأخير لهذا المسجد العظيم أن أيادي آثمة امتدت إلى جاموره النفيس الذي كان يعتلي الصومعة و إلى ثريا تاريخية كانت تطل على المحراب ، و إلى العديد من محتوياته ، فحولتها إلى جهة يعلمها الله ، كما يفعل لصوص الليل و خفافيش الظلام ، و ارتكبوا بذلك خطيئة في حق التاريخ و في حق الساكنة و لا من يجهر بالصراخ
و في فجر يوم الثلاثاء السابع من ماي 2013 و أثناء الركعة الثانية تحركت ألسنة النيران من الجهة الخلفية للمسجد ، و في رمشة عين تزلزل الصرح و هرول المصلون إلى الخارج ، و ماهي إلا دقائق معدودة حتى بدأت السواري و السقوف تتهاوى و الأبواب تتآكل و لوحة من التاريخ المجيد للمدينة تتبخر مع الأدخنة في السحاب


حضر الكل و تألم الكل وامتزج الكل بالكل ، حتى رجال السلطة و الأمن و رجال المطافئ و القوات المساعدة غلبتهم حسرة الأسى و اغرورقت أعينهم بالإحمرار و الدموع المالحة رغم جسامة الحدث و ثقل المسؤولية ،قالوا إن سبب الحادثة هو تماس كهربائي ، أقول إنه قدر الله و لا راد لقدره و لله ما أعطى و لله ما أخد
و حتى نستفيق جميعا من هول الكارثة علينا أن نستقوي بالله ،و نؤمن بقوله تعالى ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) و نستجمع كل عزائمنا و قوانا و نوجه نداء استعطاف لكل الغيورين من أبناء هذا الوطن ، لكل الهيئات و المؤسسات و أعلاها ملك البلاد جلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين و سبط الرسول العظيم الذي شرف هذا المسجد بزيارته التاريخية وأحيى فيه ليلة القدر .. إلى أياديه البيضاء نتوجه ، و إلى قلبه الكبير و أخلاقه العالية السمحة ، فهو الملاذ في هذه النكبة التي أصابت أعماقنا لنلتمس من مكرمته و من سدته العالية بالله ، كما عودنا على ذلك دوما ،على إعادة بناء هذا الصرح الشامخ و هذه المعلمة التاريخية لأنها جزء من نبضنا و إحساسنا و كرامتنا و تاريخنا التي نعتبرها مفخرة للوطن و لساكنة المدينة و للمملكة الشريفة 
محمد جمال الدين الناصفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى