المزيد

ليْسَ مِنَّا مَنْ لطمَ الخُدود، وشَقَّ الجُيوب

ليْسَ مِنَّا مَنْ لطمَ الخُدود، وشَقَّ الجُيوب لَطْمُ الخُدود وشق الجيوب والنِياحة عند المصيبة ـ وخاصة مصيبة الموت ـ حرام، وهو مِن فعل أهل الجاهلية قبل الإسلام، إذْ فيه اعتراض على قضاء الله تعالى وقدَره، وعدم الرضاً به، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن يفعل ذلك. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليسَ مِنَّا مَن لطم الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعا بدَعْوَى الجاهِلِيَّة) رواه البخاري.

(ضرب الخدود): خصَّ الخد لكونه الغالب في ذلك عند المصيبة، وإلا فإن ضرب بقية الوجه داخل في ذلك. (شق الجيوب): جمع جيب، وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره عند المصيبة، وهذا من علامات السخط. (دعا بدعوى الجاهلية) أي: بدعوى أهل الجاهلية قبل الإسلام، وهي النياحة على الميت وما يتبعها بالتفجع والتسخط، والتَّعديد وذِكرِ مَناقِب للميت بما فيه وبما ليس فيه..

قال ابن هبيرة في “الإفصاح”: “في هذا الحديث صريح النهي عن أن يبلغ الحزن إلى ضرب الخدود وشق الجيوب، أو أن ينتهي إلى دعوى الجاهلية مِن كونهم كانوا يذكرون الكلام الباطل الذي نسخه الإسلام، وليس في هذا ما يمنع البكاء وظهور الرقة على الإنسان عند فقد حبيبه أو أخيه المسلم”.

وقال ابن بطال: “قال المهلب: قوله: (ليس منا) أي: ليس متأسيًا بسنتنا، ولا مقتديًا بنا، ولا ممتثلاً لطريقتنا التي نحن عليها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليس مِنا مَنْ غشنا) لأن لطم الخدود وشق الجيوب من أفعال الجاهلية”.

وقال ابن حجر في “فتح الباري”: “قوله: (لَيْسَ مِنَّا) أَي: مِن أهل سنتنا وطرِيقَتِنَا، وَلَيْس الْمُرَاد بِه إِخْرَاجُه عَنِ الدِّين، وَلَكِنْ فَائِدَة إِيرَادِه بِهذا اللَّفْظ الْمُبَالَغَة في الرَّدْعِ عَنِ الْوُقُوع في مِثْل ذلِك، كما يَقُول الرَّجُل لِوَلَدِه عِنْد مُعَاتَبَتِه: لَسْتُ مِنْك، وَلَسْتَ مِنِّي. أَيْ: مَا أَنْتَ عَلَى طَرِيقَتِي”.

وقال ابن الجوزي: “قوله: (ليس منا) أي ليس على طريقتنا وسنتنا، وإنما نهى عما يدخل تحت الكسب من ضرب الخد وشق الجيب، ولم ينه عن البكاء والحزن. وأما دعوى الجاهلية فما كانوا يذكرونه عند موت الميت، تارة من تعظيمه ومدحه، وتارة من الندب عليه مثل قولهم: واجبلاه”.

وقال القسطلاني: “والنفي في قوله: (ليس منا) للتغليظ، لأن المعصية لا تقتضي الخروج عن الدين إلا أن تكون كفرًا، أو المعنى: ليس مقتديًا بنا، ولا مُستنًا بسنتنا”.

وقال القرطبي: “وقوله: (ليس منا) أي: ليس على طريقتنا، ولا سنتنا، كما قال: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب) و(مَن غشنا فليس منا)، وهو ذم بلا شك”.

وفي “شرح الجامع الصغير”: “المعنى: ليس على ديننا الكامل. وكان السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى