المزيد

قرأت لكم : أذِّنْ في الناس بالعدل

أتابع بكثير من التعاطف والتضامن وقفات الأئمة والخطباء والقيمين على المساجد. فلم يكن من المقدر، أن ينزل هؤلاء إلى الشوارع للدفاع عن مطالبهم المشروعة والاهتمام بها. فهؤلاء جزء من التوازن الروحي والعاطفي للمغاربة. إنهم شغيلة الروح والروحانية في كل بلاد المسلمين

لكن هؤلاء الذين يجاورون بيوت الله، ويربطون صلاتنا بأجواء ربانية، هم أيضا مواطنون يشعرون بما نشعر، ويأكلون ما نأكل، ويتجولون في الأسواق، ولهم مطالب لابد لها من المال لكي تتحقق

لي سبب بيولوجي لكي ينمو هذا التعاطف، ويبزغ من مزهرية العائلة

فجدي، وقبله جد أبي، وما إلى ذلك من السلالة، كان قيما على المسجد، وعمي بعده تولى الآذان والوقوف على شؤون الدين بالمسجد، وحتى وهو من الفلاحين المتوسطين الميسورين، فقد كان يحرص على أن يبقى الإرث عائليا، القيم الصغير في العائلة هو شقيقي الذي يصغرني بأربع سنوات، وهو يؤذن في الناس بالصلاة

كان بيتنا قريبا من المسجد، ولا يزال، ملاصقا له. لهذا كنت أسمع دوما الجد وهو يخرج إلى الآذان قبل أن يخرج إلى الحقل

واحتفظ له بكل قصص الأنبياء التي كان يحكيها لي

خال الوالدة كان هو الإمام في المسجد، وكان يفضل أن يتحدث بالفصحى على كل أنغام اللغة المتماوجة في محيطنا

قال جدي قبل وفاته، بأقل من يوم إنها النهاية

وقال «عم عم»، بمعنى انتهت اللعبة، عندما دخلت الوالدة لتقدم له فطور الصباح

وقال، أيضا، أنه رأى سيدة بلباس أبيض، بهية قبلت جبينه

وقال هذه صلاتي التي بدأتها منذ صغري تودعني اليوم في المنام

قلنا وقتها إنها تذكرته إلى الجنة

شيء واحد أقلقه في مرضه في الهزيع الأخير من العمر، هو أنه لم يعد يستطيع الذهاب إلى المسجد , الجد الذي اشتغل جنديا في حروبه وحروب الآخرين

والذي عمل زطاطا إلى مليلية أو إلى أقاصي الشمال، والذي كان يردد دوما: الفم هو باب جهنم، ويطرد العجائز المشغولات بالنميمة، أول مؤذن أو قيم مسجد يعود إلي حيا بابتسامته المتصاعدة كبخار أبيض من بين لحيته الوقورة البيضاء

فماذا لو كان جدي هو الذي يضرب أمام البرلمان، وهو الذي يجرجره رجل أمن أمام القبة، وتحت سياط التعنيف؟

ماذا لو كان الخال عمارة، هو الذي ينهال عليه شرطي صغير السن؟

لهذه الأسئلة، أتفادى أن أتحدث مباشرة مع وزير الأوقاف السي أحمد التوفيق لا يمكنه أن يسمح بأن يتحول جنود الطمأنينة الروحية إلى موضوعات للتنكيل والضرب والإجهاد الجسدي

بعضهم لا يحصل على السميك. لا يحصل على ما يكفي.. ومن حقه أن يطلب ما يجعله في مأمن، هو الذي يردد الحمد لله الذي أطعمنا من جوع وآمننا من خوف

مازلت كلما قرأت عن إمام ما، إلا وتهادت أمام عيني صورة نبي بلا ملامح، وكلما سمعت مؤذنا، لا في القناة «الأولى» ولا في القناة الثانية، إلا عادت إلى ذهني أيام الدين الحنيف الأولى..

ولسبب ما كان الجد يقول دائما، كلنا حنفيون قانتون، وسنظل كذلك

وهؤلاء الذين تتعلم في أجسادهم الحكومة هيبتها، لهم منا كل احتياطي التضامن وكل آبار التقدير

كيف نفكر في ضرب إمام؟

كيف نفكر في ضرب مؤذن؟

كيف نفكر في ضرب قيم ديني؟

كيف نفكر حتى أن نجعلهم من صغار الموظفين ومن جيش الهشاشة الفظيع الذي يجند ملايين من أبناء شعبنا؟

كيف نقيم الدنيا ولا نقعدها عن الآذان في القنوات التلفزية، ونخرج في اليوم الموالي لسلخ من يؤذنون في الناس بالإيمان والورع؟

ليست لهؤلاء، كما نعرفهم، مطالب سياسية

ليست لهم وجهات نظر عقائدية، على حد علمنا، فهم مالكيون أشعريون جنيديون، على رؤوسهم هالة إمارة المؤمنين.. فلا يحسن بنا أن نتنكر لهم ولا يحسن بنا أن نسمعهم يشتكون..

5/18/2012

عبد الحميد جماهري

http://www.alittihad.press.ma

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى