الاخبارغير مصنف

قد أفلح من زكاها.. وقد خاب من دساها

يقف أكثرُ المسلمين في مواجهة عالمهم وعصرهم، ومشكلاتهم في عالمهم وعصرهم موقفَ العاجز الخائف الذي يَشُكُّ في نفسه وإمكاناته، أو لا تُسْعِفُه إمكاناتُه واقعياً ليكون على مستوى سواه النفسي والعملي، وينعكس ذلك في تفكيرهم ومواقفهم، وتخطيطهم لمستقبلهم، وعلى كل صعيد آخر يخطر بالبال
وما أكثرَ ما أسمع من شيوخٍ، وكهولٍ، وشبابٍ أيضاً، وأنا أطرح بعضَ الأهداف، والواجبات، وسُبُل العمل
هذا مستحيل
أو هذا صعب جدّاً
وليس ما أطرحه عليهم مستحيلاً في ذاته، ولا صعباً جدّاً في نفسه، كما يتوهمون؛ ولكنْ جَعَلَه مستحيلاً عندهم أو صعباً، ما هم عليه من ضعفِ الطاقات والإمكانات، وضآلةِ الاستعداداتِ والقدرات، أو فقدان الثقة بأنفسهم، وإذا فقدَ الإنسانُ الثقة بنفسه فقدَ القدرة على أيّ عمل جليل، أو هدفٍ أو حلمٍ كبير
إذا قلتَ لطفل صغير: اقفزْ بضعةَ أمتار على هذه الأرض، قال لك: هذا مستحيل، لا أستطيع
وإذا قلت لطالب لم يتعلم القراءة بعد: اقرأ هذا الكتابَ أو ذاك من كتب العلم أو الأدب، قال لك: هذا مستحيل لا أستطيع
فإذا كبر الطفلُ وتدرّب، وتعلم الطالبُ وتقدّم، قفز أبعد مما كنت طلبتَ، وقرأ أكثرَ مما كنتَ اقترحتَ، ورأى ذلك أمراً ممكناً بل يسيراً، وطمحت نفسُه إلى ما هو أهمّ وأجلّ وأسمى
وهكذا الأمر بالنسبة للمسلمين في هذا العالم والعصر


إذا أردت أن يتغيّر تفكيرُهم الانهزاميُّ العاجز اليائس، ومواقفُهم الحقيرةُ المستسلمة، وواقعُهم القبيح الذليل؛ وأن يتبدّلوا بشكِّهم يقيناً، وبيأسهم ثقةً، وبسلبيّتهم إيجابية، وباستسلامهم إباءً وعزةً، وأن يَروا ما كانوا يظنّونه مستحيلاً مُمْكِناً، وما كانوا يتوهّمونه صَعباً سهلاً.. فيجبُ بناءُ الشخصيّة الإسلاميةِ الفرديةِ والاجتماعيةِ بناءً جديداً سليماً، وأن تتفتح هذه الشخصية وتنمو بكلّ أبعادها إلى أقصى مَدَىً ممكن
يجب أن تتفتح وتنمو المواهب والاستعدادات
يجب أن تتفتح وتنمو الطاقات والقدرات
يجب أن يتقدم المسلمون في مختلف ضروب المعرفة والاختصاص والنشاط الإنسانيّ النافع على الصعيد الفرديّ والجماعيّ، المحليّ والعالميّ؛ فإذا تمّ لهم ذلك، أو قطعوا أشواطاً صالحة فيه، اختلفت نظرتهم إلى الأمور، واختلف موقفُهم النفسيّ والفكريّ والسلوكيّ، ووجدوا السُّبُل والوسائل المناسبة للخروج من مَآزقهم ومآسيهم ومِحَنهم، والثقةَ الضروريةَ الكافيةَ، والأملَ الحافزَ، والقدرةَ والكفاءةَ اللازمةَ للتقدّم المستمر، وتحقيقِ النجاح، وبلوغِ الأهداف
ولقد أرشدنا الله تعالى، وأرشدنا رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بغاية الوضوح، ويكفي أن نقرأ في ذلك هذه الآيات الأربعة القصيرة من سورة الشمس التي يقرؤها كثيرون منا بألسنتهم، وهم عن معناها غافلون
{ ونفسٍ وما سوّاها • فألهمها فجورَها وتقواها • قد أفلح من زكّاها • وقد خابَ من دسّاها }
ما معنى زكّى الإنسان نفسه؟
معنى ذلك -أو من معاني ذلك- في اللغة: طهّرَها، وأصلَحها، ونمّاها
وما معنى دسّاها؟
معنى ذلك -أو من معاني ذلك- في اللغة: أخفاها وأَخمَلَها حتى لا يُقْصَد في الحاجات، ويَنْهَضَ بالواجبات، وأغواها وأفسدها
فَـ {قد أفلح من زكاها} معناه: قد أفلح من طهّر نفسَه من الشرك والنفاق والرياء، والفجور والذنوب والعيوب، وأصلَحَها، ونمَّى فيها مواهبَها واستعداداتِها الطيبة، وسائرَ جوانبِ القدرةِ والتقوى والخير
و{قد خاب من دساها} معناه -أو بعض معناه-: قد خسر من أفسد نفسَه أو أعانها على الفجور والغَيّ والفساد، وخَنَق فيها أو دَفَن فيها مواهبَها واستعداداتِها الطيبة، وجوانبَ القدرة والتقوى والخير

http://www.issamelattar.net

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى