” اللهم أسالك العدل في الغضب والرضا ” ما أحوجنا إلى ترديد هذا الدعاء في كل لحظة من لحظات حياتنا ، وما أحوجنا إلى تذكير بعضنا به ، لأننا بدون هذا العدل ، فلن نكون منصفين في التعامل مع أنفسنا ، ولا في التعامل مع غيرنا
“الغضب ” ثورة همجية ، تفقد المرء صوابه ، وهو كما وصف جنون أصغر ، وأحد السبل المؤدية إلى تدمير الذات ، وتخريب البيوت ، وتفتيت الكيانات ، و ” العدل ” إن توفر في أعماقنا ، وسيطر على عقولنا ، فإننا لن نتوجه إلى أحد بتهمة باطلة ، ولا بتهمة فيها قليل من الشبهة ،لأن المطلوب شرعا أن يكون الحكم والشهادة على الغير كما الشمس واضحة في رابعة النهار
وإذا أكرمنا الله بهذا ” العدل ” فإننا سنكون وبفضل الله على رأس قائمة العقلاء ، وكأني أنظر إلى ” العدل ” و ” العقل ” وكأنهما شقيقان توأمان ، لا ينفك أحدهما عن الآخر ، فالعاقل يبحث دائما وأبدا عن العدل في التعامل مع نفسه ، و في التعامل مع غيره ، وهو أبدا من عشاق البحث عن الحقيقة ، ومن محبي التسامح مع القدرة على الفعل ، والعادل دوما يحكم تصرفاته بالعقل ، ولا يترك للعاطفة أو المزاجية أو هوى النفس فرصة لتسيير دفة حياته
دعونا نتساءل وبكل ما لدينا من عدل :
لم نغضب على من يحبنا ، ويصارحنا بعيوبنا ، وينصحنا لإصلاح أخطائنا ، و بالمقابل لم نسعى جاهدين لاسترضاء أطراف أخرى تتستر بالحب وتحاول إقناعنا بأنها صديقة مخلصة ، وهي في حقيقة أمرها عدو لدود يسعى لتدمير جسور الحب والوئام بيننا ، وكم من الناس نظنهم في موقع ، وهم في الحقيقة في موقع آخر بعيد كل البعد عما نظن
ولأن ثقتنا بأنفسنا تجاوزت الحدود المعقولة وقد تحولت في كثير من الأحيان إلى غرور واستعلاء ، فإننا لا نرضى أن يكون غيرنا في موقع أفضل منا ، وهنا لابد أن نتساءل : لماذا الإصرار على أننا دائما ” صح ” ، وغيرنا دائما ” غلط ” ولو كان على حق مليون في المئة
ترى هل لدينا الجرأة على أن نتذكر قول الله تعالى ” ما يلفظ من قول إلا لدينا رقيب عتيد ” ، وهل لدينا القدرة على فهم هذه الآية ، و ومدى أهميتها في تسير حياتنا ، وتقييد أقوالنا وحديثنا عن أنفسنا ، وعن غيرنا ، وما المعايير التي نحتكم إليها في تقييم أنفسنا ، وفي إصدار الأحكام على الغير ، مهما كان الخلاف بيننا وبينهم
إننا بحاجة إلى توسيع دوائر معرفتنا بالعالم من حولنا ، لأن الحقيقة المرة التي نعيشها هي أننا مصرون على مبدأ ” محلك سر ” ، وإذا كنا على غير معرفة أكيدة بحقيقة الغير فلم نحكم عليهم ، ونكيل لهم التهم ، ونلصق بهم الصفات التي لا نرضاها لأنفسنا ، ونرفضها من أي إنسان يوسمنا بها ، وهل نتذكر قول الله تعالى حينما يحذرنا من ارتكاب حماقة الحكم والتعالم بغير علم : ولا تقف ما ليس لك به علم ، وطالما أننا نزعم الإحاطة بكل شاردة وواردة فإننا سنظل ندور في فلك الجهل ، ونتخبط في دياجير الغفلة
بعضنا يحمل في رأسه كثيرا من السذاجة ، ولذلك يسهل على كثير من الآخرين الذين نثق فيهم استغلالنا لمصالحهم الشخصية ، وتحقيق مآربهم الذاتية التي لا تخلو من سوء نية ، وهم بكل تأكيد يعرفون من أين تؤكل الكتف ، ترى كم نحن بحاجة إلى إجراء عمليات جراحية دقيقة فقي عقولنا ، وقلوبنا لاستئصال سرطانات الحقد والحسد ، والنظرة الضيقة
إن العالم كله من حولنا يتغير بسرعة مذهلة ، وهو يسري قدما إلى الأمام ، ونحن نصر على التمسك بمبدأ السلحفاة قدوة ،ونموذجا نحتذي به في كل جوانب الحياة
متى نتمكن من تذكر أن الموت يلاحقنا في كل ثانية من ثواني حياتنا ، ولو كنا في بروج مشيدة ، وأنه إن لم يفاجئنا اليوم ، فسنكون غدا ، أو بعد غد من ضحاياه ، وإذا وفقنا الله إلى هذا الاستشعار ، وإذا رزقنا وعيا عميقا لأهمية تذكر الموت ، فمن المؤكد أن مسيرة حياتنا ستتغير ، وتنقلب رأسا على عقب ، لأن تذكر هذا القادم يجعلنا نحسن العمل في كل أمور الدنيا أو الآخرة ، وإذا ما تذكرنا الموت في كل لحظة فسنتمكن من إعادة النظر في مواقفنا ومشاعرنا وأفكارنا وعقيدتنا