المزيد

الذكرى 91 لمعركة أنوال :ميلاد أسطورة الخطابي

في كتابه “المعارك الحاسمة في تاريخ اسبانيا”، يعالج المؤرخ خوان كارلوس لوسادا المعارك الذي يعتبرها حاسمة في تشكيل هذا البلد الأوروبي وتلك التي شكلت منعطفا استراتيجيا بجعل اسبانيا دولة وإمبراطورية ثم فقدان قوتها عالميا. ويصف كل المواجهات بالمعركة باستثناء معركة أنوال التي يصفها ب”الكارثة”، وهنا يلتقي مع معظم المؤرخين بأن معركة أنوال تعتبر أكبر هزيمة للجيش الإسباني وكانت لها تأثيرات امتدت طيلة القرن العشرين على هذا البلد، حيث لا يمكن فهم الانقلابات بما فيها التي أوصلت الجنرال فرانسيسكو فرانكو الى الحكم سنة 1936 بدون حروب الريف وعلى رأسها معركة أنوال

الكارثة العسكرية

واستعمال وصف الكارثة يعود الى سببين رئيسيين وفق الكتابات العسكرية الإسبانية، الأول وهو ضخامة الخسائر البشرية والعسكرية، والثاني هو الأخطاء الفادحة التي ساهمت في وقوع مثل هذه الخسائر. والواقع أن خسائر الإسبان في شمال المغرب لم تنطلق فقط مع معركة أنوال بقدر ما يؤكد المؤرخ العسكري أنتونيو توريسياس فيلاسكو في كتابه “نزاع بين حضارتين” أن اسبانيا فقدت ما بين 1907 الى 1912 في شمال المغرب عموما ومنطقة الريف أساسا أكثر من سبعة آلاف قتيل

وهذا الكتاب يكشف عشرات المعارك التي وقعت بين اسبانيا والريفيين حول مليلية خلال الأربعة قرون الأخيرة، ولهذا لا يمكن فهم الحروب التي خاضها محمد ابن عبد الكريم الخطابي بمعزل عن حروب الريف وقادة تاريخيين مثل الشريف أمزيان الذي جرى اغتياله سنة 1912

وعلاقة بأنوال التي تبقى الحلقة الأبرز في حروب الريف فهي نتاج طموحات جنرال اسمه مانويل فيرنانديث سيلفستري الذي كان يرغب في تلبية الطموحات الملك ألفونسو الثالث عشر بالتوسع في إفريقيا من جهة، وبأنفة وعزة الشعب الريفي في التحرر من جهة أخرى

أنوال: من إيغربيين الى جبل العروي 12.500 قتيل

تولى مانويل فيرنانديث سيلفيستري القيادة العسكرية لمدينة مليلية المحتلة يوم 12 فبراير 1920 وكان يرغب في تحقيق طموح عسكري يتجلى في الوصول الى قلب إقليم الحسيمة الذي يعتبر معقلا للثوار الريفيين بزعامة قبائل بني ورياغل التي تميزت بشراستها الحربية، فقد مر على توقيع اتفاقية الحماية ثمان سنوات (1912) لوم يتمكن الجيش الإسباني من بسط نفوذه في منطقة الريف باستثناء ضواحي مليلية ومن ضمن ذلك الناضور. وفي مايو 1920 بدأ الجنرال في تطبيق مخطط عسكري يقضي بنشر نقط حراسة وتخندق في المناطق التي يجري غزوها، واعتمد في هذه الاستراتيجية على شراء ولاء بعض زعماء بعض القبائل الريفيين كما اعتمد على القوة في بعض الأحيان. وعمليا، استطاع التقدم بشكل كبير للغاية رغم التحفظ الذي كان يبديه عدد من العسكريين إدراكا منهم بقوة الريفيين

ومن ضمن الأماكن التي استطاع سيلفيستري غزوها منطقة تسمى أنوال التي لم تكن نهائيا استراتيجية بل معزولة بشكل كبير، وكانت بها نقطة لما يسمى بشرطة الأهالي التي تكون من جنود من الريفيين العاملين في الجيش الإسباني ومعهم دائما بعض الضباط الإسبان. وكان بعض القادة العسكريين ينصحون سيلفيستري بالتوقف عند أنوال وعدم التمدد في الريف، وخالفهم الرأي، إذ كان يعتبر ضرورة التحرك نحو منطقة الحسيمة للقضاء على الخطابي الذي كان قد بدأ يتحول الى بطل ريفي في تلك الفترة بسبب الهجمات التي كان يشنها على المواقع الإسبانية. ونجح سيلفيستري وبدعم في البدء من قبائل ريفية تمسمان من إقامة معسكر في منطقة أباران، وذلك كان أكبر خطئ له في حروب الريف

والمتتبع لمجريات الحرب، لا يمكن الحديث عن معركة واحدة تسمى أنوال بقدر ما هناك سلسلة من المعارك والملاحقات يمكن تسميتها ب “معارك أنوال” لأنها تمت على مدار أسبوعين تقريبا وانتهت بسقوط عدد كبير من أفراد الجيش الإسباني بما فيهم ريفيون كانوا يعملون في هذا الجيش

وبدأت خسائر الإسبان عندما قررت القوات الريفية يوم 17 يوليوز مهاجمة المراكز التي احتلتها القوات الإسبانية في تقدمها نحو الحسيمة وخاصة مركز إيغربيين الاستراتيجي الذي خضع لحصار قوي، ولم يتمكن الجنرال سسيلفيستري الذي كان يتواجد في مركز أنوال من نجدة جنوده في أيغربيين، وسقط هذا المركز يوم 22 يوليوز، وفي اليوم نفسه تقدمت القوات الريفية نحو مركز أنوال الذي تمركزت فيه القوات الإسبانية، حوالي خمسة آلاف جندي

وأمام استحالة مواجهة الريفيين وعدم وصول الامدادات، قرر الجنرال سيلفيستر وبتنسيق مع حاكم شمال المغرب الجنرال بيرنغير الانسحاب من أنوال ابتداء من الساعة الحادية صباحا، إلا أن التوقيت كان متأخرا لأن القوات الريفية كانت قد سيطرت على المرتفعات في المنطقة، وبدأت معركة شرسة بين الطرفين، واضطر الجنود الإسبان الى الانسحاب في فوضى عارمة، حيث لعبت كتيبة ألكنترا 14 للخيالة دورا رئيسيا في تأمين انسحاب الكثير من الجنود نحو مراكز في تجاه مليلية. وفي موقع أنوال، سيلقي قرابة 2500 جندي اسباني حتفهم من ضمنهم الجنرال سيلفيستري وكذلك مئات الريفيين الذين كانوا يعملون في الجيش الريفي. وخلال الأيام اللاحقة سيلقي 1500 جندي حتفهم في هجمات الريفيين على مختلف المراكز التي أقامها الجيش الإسباني انطلاقا من الناضور في تجاه الحسيمة

وكان الجنرال نافارو الذي كان الرجل الثاني في مليلية وينوب عن سيلفيستري قد قاد الجنود المنهزمين نحو جبل العروي، حيث حاول التحصن هناك لكن سقوط الناضور يوم 2 غشت حكم على مركز سلوان وجبل عروي بالإستسلام. واستسلم مركز سلوان يوم 3 غشت 1922 وستة أيام بعد ذلك، يوم 9 غشت جرى استسلام جبل عروي، وقام الريفيون بقتل جميع الجنود وهم حوالي ثلاثة آلاف ونجا 60 فقط من ضمنهم الجنرال نافارو

ويؤكد المؤرخ أنتونيو تورسياس فيلاسكو أن الرقم الحقيقي للقتلى في مجموع المعارك التي دارت ما بين 22 يوليوز الى استسلام القوات الإسبانية في جبل العروي يوم 9 غشت 1922 هو أكثر من ثمانية آلاف جندي اسباني و4500 من الجنود الريفيين في الجيش الإسباني أي 12 ألف و500 جندي وأنه لا يمكن استبعاد أن يكون العدد أكبر

النتائج: انقلاب في اسبانيا وميلاد أسطورة الخطابي

كانت نتائج معركة أنوال والتي التي تلتها حتى سقوط جبل العروي كارثية على اسبانيا، إذ لا يمكن فهم الانقلاب العسكري الذي حدث سنة 1923 في اسبانيا بمعزل عن معركة أنوال، كما عززت هذه المعركة من مشاعر رفض الحرب في صفوف الإسبان، ولكنها ساهمت في تعزيز التيار الأفريقاني وسط الجيش الذي سيعطي لاحقا الجنرال فرانسيسكو فرانكو

في الوقت ذاته، فمعركة أنوال تعتبر بمثابة ميلاد أسطورة مغربية اسمها محمد ابن عبد الكريم الخطابي الذي سيؤسس جمهورية كشكل جديد للحكم في شمال المغرب وسيصبح وجها عالميا ومصدر إعجاب للكثير من حركات التحرر العالمي

http://menarapress.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى