إنّ ممّا يُبتلى به النّاس بكثرةٍ على مرّ العصور سوءُ الظنِّ ببعضهم البعض، حتّى كاد ذلك أنْ يُذهِب علاقاتهم الاجتماعيّة، ويُقطّع أواصر المَحبّة، ويُفشي السّوء والبغضاء بينهم، ولقد حثّ الله عزّ وجل على اجتناب سوء الظنّ بالآخرين، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا
مفهوم سوء الظن
بالإمكان تعريفُ سوء الظنِّ بأنّه مَظنّة جانب الشرّ وتغليبه على جانب الخير، في حين أنّ الموضوع الذي وقع فيه سوء الظنّ قد يَحتمل الجانبين معاً دون تغليبٍ لأحدهما، قال الماوردي: (سوء الظنّ هو عدم الثّقة بمن هو لها أهل)، وقال ابن القيم: (سوء الظن هو امتلاء القلب بالظّنون السّيئة بالنّاس حتى يطفح على اللسان والجوارح)، وقال ابن كثير: (سوء الظنّ هو التّهمة والتخوّن للأهل والأقارب والنّاس في غير مَحلِّه)
كما يُمكن أن يُعرّف سوء الظنّ أيضاً بأنّه الخوض في الخيال المُسيء والخطأ في حالة مُواجهة فعلٍ يُمكن أن يكون له تفسيرين، صحيح وخاطئ؛ كمن رأى رجلاً مع امرأةٍ غريبة فخاض في خياله دون تبيُّن، وحلّل أنّ المرأة أجنبيّة عن الرّجل وليست من محارمه، وبدأ في التخيّل أنّ هذا الرّجل يُريد لها السّوء وارتكاب الفاحشة معها، بينما ربّى الإسلام أبناءه على إحسان الظنّ؛ فربما تكون على قرابة معه كأخته أو عمّته أو زوجته
رُوِيَ أنّه لمّا نظر الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إلى الكعبة قال: (مرحباً بك من بيت ما أعظمك وأعظم حُرْمَتك، ولَلْمؤمن أعظم حُرْمَة عند الله منكِ، إنَّ الله حرَّم منكِ واحدة، وحرَّم من المُؤمن ثلاثاً: دمه، وماله، وأن يُظنَّ به ظنَّ السَّوء)