المزيد

أطفال الشوارع: اليوم أفلسنا انسانياً

هناك لحظات في حياة الشخص يحس فيها بإفلاسه كإنسان. أحسست بالإفلاس عند رؤية الفيديو المرافق لهذا النص. الفيديو يظهر صحفياً يشتغل بإحدى الجرائد الإلكترونية وهو يحادث أربعةً متشردين في شوارع الدار البيضاء (أو الدار الكحلة كما يسميها من ذاق عذابها) هم ثلاثة أطفال وشاب يشكو من إعاقة لا تسمح له بالتعبير بسهولة

المشردون الأربعة ينتمون لثلاث أحياء شعبية فقيرة من أحياء المدينة الغول: سباتة، الحي المحمدي وباشكو. من الطبيعي أن تختلج أي إنسان يحتفظ ببعض انسانيته مشاعر الحزن والغضب عند مشاهدة البؤس مركزاً في فيديو لا يتزاوج التسع دقائق؛ لكن كل مرة يرى فيها المرء كل هذا ويذهب لتناول العشاء بعد دقائق كأن شيئاً لم يحدث، كل مرة تنطبع هذه الصورة القبيحة لإفلاس البشر كجنس من أجناس المخلوقات في مخيلة شخصٍ ما ثم ينشغل عن قبح الصورة بتلبية نداء الأمعاء، كل مرة يفعل الشخص هذا يفقد بعضاً من انسانيته … وأنا أظنني فقدت كل ما تبقى انسانيتي وأفلست كلياً عندما نظرت بعجز إلى الدموع طفلٍ وهي تجرف بعض الغبار عن خديه الغائرين

لقد كان هذا الطفل ذو اللباس الأخضر هو الوحيد الذي بكى عل حاله وعلى حال أصحابه الثلاثة، ربما لأن الكاميرا صادفته في حالة وعي نسبي بينما خذلت الكلمات المتثاقلة لاصحابه أثر المخدرات الرخيصة عليهم. بكى الطفل على حاله وعلى حال أصحابه ويالهول ما قال، أول ما قال أن الناس يمرون بجانبنا، يروننا ونراهم يصحبون أطفالهم إلى المدارس بينما نحن في ضياع نغرق يأسنا في المخدرات الرخيصة. طفل يبلغ من السن 16 سنة لكن جسمه يوحي بأنه لم تجاوز العاشرة ينظر في وجه المجتمع ليقول له: نحن نعرف انكم تخليتم عنا، فقط نود أن نسالكم لماذا؟ ثم يقول كل مانريده هو مستقبل ومكان على صف المدرسة. لم يقل أنه يريد مالاً أو لعبةً أو أكلاً، يريد مستقبلاً؛ مكاناً في المدرسة ثم عملاً ليتمكن يوماً من تأسيس عائلة ويأخذ أطفاله إلى إلى المدرسة كما يفعل أولائك الذين يتجاهلونه كل صباح


اليوم أفلست كإنسان ليس لأني لم أرى مثل هذا قط ولكن لأن الرؤى تتراكم. اليوم أفلسنا كشعب وكوطن وكأمة لأننا نتبجح كل حين بعلونا الأخلاقي على الغرب ونتباهى بحرصنا على قيم التضامن الأسري والعائلي والإجتماعي في وجه غربٍ يفترض أن يكون « فاسداً أخلاقياً » و “فارغاً روحياً”. بينما نحن ننام ملء جفوننا ونأكل شبع بطوننا على ظهر أطفال الشوارع وأخواتهن اللواتي يخدمن في بيوتنا ويحمن حول ولائمنا الموسمية وهن جائعات ثم نتذوق الشاي المساعد على هضم الأكل ونرفقه ببعض حديث الإستقرار المساعد على هضم حقوق المستضعفين في الأرض. لا أحاول تمرير خطاب اخلاقوي قد مل الناس منه، انما خطابي «لا أخلاقي»؛ فالخطاب الأخلاقي الرسمي وغير الرسمي لم يعد أكثر من أقراص نوم وموجات تنويم مغناطيسي تتجه نحو العقول لتجعلها في « اتفاقٍ تامٍ مع الحياة » كما هي وعلى ماهي عليه من ظلم وبؤس

موقع لكم بتصرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى