المزيد

معاملة الأكبر سنا والأرفع منزلة في نظر الإسلام

أصحاب الفضل الذين يستحقون أن ننزلهم منازلهم، ونعرف لهم حقهم ومكانتهم كثيرون، ولكن أتدرون منأحقهم اكراما وتقديراً؟ وكيف يكون تقديرهم واجلالهم واحترامهم؟ وما أثر المعاملة الحسنة على نفوسهم وعلى الفرد والمجتمع؟

 تجد جواب ذلك في حديث الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه إذ يقول: (ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير) رواه أحمد والترمذي وابن حبان، وكما يقول عليه افضل الصلاة وأتم التسليم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا) رواه الحاكم، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه) رواه الإمام أحمد. وفي رواية (ولم يعرف شرف كبيرنا) رواه الترمذي. من هذه الأحاديث النبوية الشريفة نرى أن الاسلام أوجب على اتباعه احترام الأكبر سنا والأرفع منزلة، ففي الحديث المتفق عليه (كبِّر كبِّر) تأكيد على احترام الكبير.
 

        ولقد حضر مجلسه صلى الله عليه وسلم اخوة وتكلم اصغرهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (كبروا كبروا) رواه البخاري ومسلم، أي دعوا الأكبر يتكلم، ولذا هدف الاسلام الى حماية النظام الاجتماعي والمحافظة على سلامة البنيان من التصدع ومن الفوضى اذا ما أهمل الصغير حق من هو اكبر منه

 إن الحياة البشرية عبر الزمن كجسر على نهر عظيم، فاذا تماسكت أجزاؤه مع بعضها أمكنه الصمود عاليا فوق الماء، واذا تزعزعت أركانه اندثر، فالكبار والصغار طرفا قاعدة هذا الجسر، والشباب قمة الجسر، والقمة لا تستقر بغير قواعدها، ولا تستقيم القواعد بغير رابط لها، فاذا أهمل الكبير فانه سيهمل الجميع، لأن الصغير في النهاية سيصبح كبيرا، من هنا تحتم على الجميع أن يحترم المرء نفسه وأن يعرف المرء قدر نفسه وألا يتجاوز حده، وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام (ما أكرم شاب شيخا إلا قيض الله له من يكرمه عند كبر سنه) رواه الترمذي، بل إنه صلى الله عليه وسلم: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم فقال: (أنزلوا الناس منازلهم) رواه أبو داود والحاكم.
 إن احترام الكبير والأرفع منزلة من سمات المؤمنين الصادقين، فأنت لا ترى المؤمن إلا رؤوفا رحيما، ينبض قلبه بالرأفة والرحمة وتفيض مشاعره بالعطف والشفقة، ولقد ضرب خلفاء المسلمين وعلماؤهم أمثلة رائدة في هذا المجال رغم علو مكانتهم وهم صفوة القوم وسادتهم.
فهذا الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.. يراعي المراتب فكان ينزل درجة من درجات المنبر بعد أبي بكر.. رضي الله عنه، لأنه يرى أن الخليفة الأول أحق منه بالعلو والرفعة حتى بعد وفاته.
 وهذا رابع الخلفاء الراشدين الإمام علي كرم الله وجهه يقول: >زن الرجال بموازينهم<، أما أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فتصف لنا سيرة الإمامين الراشدين عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما كانا اذا لقيا العباس رضي الله عنه نزلا إعظاما له اذا كانا راكبين.
وإن احترام الكبير وتوقيره يدل على رجاحة العقل ودلالة على قوة وتماسك المجتمع وعلى سعادته، قال عبد الملك بن مروان: أربعة لا يستحيى من خدمتهم، الإمام والعالم والوالد، والضيف، وروى التاريخ أن الناس عندما حضروا لتعزية سفيان الثوري بأخيه كان فيمن حضر أبو حنيفة، فقام اليه سفيان وأكرمه وأجلسه مكانه وجلس بين يديه، ولما انفض المجلس قال أصحاب سفيان له: رأيناك فعلت شيئا عجيبا مع هذا الرجل، فقال: هذا رجل من العلم بمكان، فإن لم أقم لعلمه قمت لسنه، وإن لم أقم لسنه قمت لفقهه، وإن لم أقم لفقهه قمت لورعه.
 وإن من رجاحة العقل توقير الكبير، وقد قال المأمون رحمه الله: ما تكبر احد الا لنقص وجده في نفسه، ولا تطاول إلا لوهن احس من نفسه، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: ارفع الناس قدرا من لا يرى قدره، واكثرهم فضلا من لا يرى فضله. وعن عبد الملك بن مروان انه قال: افضل الرجال من تواضع عن رفعة وعفا عن قدرة<، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم >وإن البركة مع اكابركم< رواه الطبراني والحاكم على شرط مسلم.
 وفي حديث آخر للطبراني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذل في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالاً جمعه في غير معصية، ورحم اهل الذلة والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة، وان أفضل العبادة التواضع)، وفي الحديث (من تواضع لله رفعه) رواه الإمام أحمد وابن ماجة، وإن العفو لا يزيد العبد الا عزا، فاعفوا يعزكم الله، وإن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، وإن الصدقة لا تزيد المال إلا نماءً فتصدقوا يزدكم الله، هكذا يعلمنا رسول البشرية صلى الله عليه وسلم.
 من اراد أن يرفعه الله عنده فليتواضع لأخيه المسلم، وإن من اولى الناس بالاحترام >ذا الشيبة< عن ابي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من اجلال الله اكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط) رواه ابو داود.
 وفي هذا يوصي الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه تلميذه يوسف السمتي عند سفره الى البصرة بقوله
 اذا دخلت البصرة واستقبلك الناس وزاروك وعرفوا حقك فأنزل كل رجل منزلته، وأكرم اهل الشرف، وعظم اهل العلم، ووقر الشيوخ، ولاطف الأحداث وتقرب من العامة، ودار الفجار، وصاحب الاخيار، ولا تتهاون بسلطان، ولا تحقر احدا ولا تقصرن في مروءتك..<.
 وينبغي أن يعلم كما أن الرجل يوقر الكبير من الرجال، فكذلك المرأة توقر الكبيرة من النساء، فالابن يوقر أجداده ووالديه وجاره وصديقه وكل كبير.. وكذلك المرأة توقر والديها وجدها وجدتها وكل امرأة عجوز، وهذا التوقير مطلوب من الجميع بلا استثناء حيث جاء لفظ الحديث عاماً: >ليس منا من لم يوقر الكبير..<.
 كما أن معاملة الأسن بالتوقير والرحمة مبدأ يشمل كل فرد ولو كان غير مسلم مادام هو مواطن في المجتمع، ألا ترى عمر رضي الله عنه كيف احترم الذمي العجـــــوز وقال له حين رآه يتسول ما أنصفناك، أخذناها منك في الصغر ــ أي الجزية – ثم ضيعناك في الكبر، ثم أمر له بعطاء من بيت مال المسلمين. كما أن في قصة ابي قحافة والد ابي بكر يوم الفتح دلالة على ما ذكرنا، فهذا رجل عجوز قام من بيته في مكة وحضر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال عليه الصلاة والسلام عندما رأى سنه المتقدم: >لو أعلمتموني به لذهبت إليه انا ولم نكلفه المجيء< او كما قال عليه الصلاة والسلام.
 كما أنه بالتأمل في الحديث الشريف: >ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير< نرى أن كل واحد في المجتمع يأخذ ويعطي، فهو يأخذ الرحمة من الأكبر منه سناً، ثم يعطيه التوقير والاحترام، وهكذا يجب أن ينظر أحدنا الى ما يعطي لا الى ما يؤخذ منه، وكما تدين تدان.
 ولتوقير الكبير صور كثيرة منها التواضع له، ومخاطبته بألين الكلام، وتحمله والصبر عليه إن بدا منه أذى، ثم مساعدته ومعاونته وإسداء المعروف إليه.
 نسأل الله تعالى أن يعرفنا قدر الكبير وأن يعيننا على معاملته بالتقدير والاحترام والتوقير، إنه سميع مجيب

كتبهاالشريف معتصم بالله ابو ظاهر

http://alshareifmotasem.maktoobblog.com/464

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى