المزيد

خلق التواضع

التواضع دليل على طهارة النفس وسلامة القلب من أمراض التكبّر والخيلاء، ووسيلة لتحرير القلوب من أغلال الحسد والكراهية.

    التواضع صفة محمودة وسبيل لنيل رضا الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله (ص): “ما تَواضع أحد لله إلاّ رفعه”. أمّا الذي يسلك مسلك المتكبّرين، فقد باء بشؤم العاقبة، يقول الله عزّوجلّ في الآية 72 من سورة الزمر: (.. فَبِئْسَ مَثْوَى المُتكبِّرِينَ).

ولم ترد كلمة التواضع بلفضها في القرآن الكريم، إنّما وردت كلمات تشير إليها وتدل عليها، قال الله تعالى في الآية 63 من سورة الفرقان: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا…). قال القرطبي (هوناً) الهون مصدر الهين، وهو من السكينة والوقار. وفي التفسير يمشون على الأرض حُلماء متواضعين يمشون في إقتصاد. كما قال ابن كثير: أي بسكينة ووقار من غير تجبُّر ولا استكبار، لقول الله تعالى في سورة الإسراء الآية 37: (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا)، قال القرطبي هذا نَهى عن الخيلاء وأمر بالتواضع، والمرح شدة الفرح وقيل التكبر في المشي، وقيل تجاوز الإنسان قدره.

وها هو ربنا عزّوجلّ يخاطب نبينا محمداً (ص)، فيقول في الآية 159 من سورة آل عمران: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ…). ويقول تبارك وتعالى في سورة الشعراء الآية 215: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ المؤْمِنِينَ).

وقد كان سيدنا محمد (ص)، بكمال خلقه بما لا يحيط بوصفه البيان، وقد وصفه ربنا عزّوجلّ في كتابه العزيز بقوله تعالى في سورة القلم الآية 4: (وَإنّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم)، فقد كان (ص)، المثل الأعلى للتواضع بأقواله وأفعاله، فكان (ص) يجالس الفقراء والمساكين ويصغي إليهم، ويجيب دعوة العبد وينصت للأُمّة، فلا ينصرف عنها حتى تنصرف، وكان (ص)، يجلس في أصحابه كأحدهم، بل يشاركهم العمل ما قل أو كثر. وقد وَصف أبو سعيد الخدري (رض)، رسول الله (ص)، فقال: “متواضعاً في غير مَذَلة”.

وعن تواضُع رسول الله (ص)، في بيته ومع زوجاته، قالت السيدة عائشة (رض): “كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته، وكان بشراً من البشر يَفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه”. وكان صلوات ربي وسلامه عليه، يُدخل السرور إلى قلوب زوجاته أُمّهات المؤمنين ما وجد إلى ذلك سبيلاً، كما كان (ص) يُكرمهنّ وينزلهنّ مكانتهنّ.

وقد دعا (ص) إلى التواضع، وحَثّ عليه بقوله: “إنّ الله أوحَى إليَّ أنْ تواضعوا حتى لا يَفْخَر أحد على أحد ولا يَبغي أحد على أحد”. وقوله (ص): “طُوبَى لمن تواضع في غير منقصة، وأنفق مالاً جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة”.

http://www.alislah.ma

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى