المزيد

مسقط الرأس : الحنين الأبدي

قد تسوقنا الأقدار لعلة من العلل الى العيش خارج أوطاننا أو حتى في أماكن بعيدة وفي نفس الوطن
وقد تبدو المدن اللتي نقطنها أكثر لمعانا ورقيا وتوفيرا لسبل العيش الرغيد من القرية المعزولة والفقيرة اللتي رأينا فيها النور وترعرنا فيها
ولكن الحنين والشوق لمسقط الرأس لا يكاد يغادرنا

مسقط الرأس كالأم تماما لا شيئ يمكنه تعويضه

بعد هذه المقدمة أدعو القراء الأعزاء إلى قراءة هذه المعالجة الفلسفية لهذا الشعور الإنساني الذي هو الحنين القوي  إلى مكان الولادة و النشأة الأولى
قراءة ممتعة

التعلق بالأرض أحد أبرز سمات الكائن البشري.فالناس على مختلف فئاتهم العرقية والحضارية والعقائدية يرددون أو يصرحون بذلك الشعور على الدوام،حتى يكاد يكون من بين أكثر القيم رسوخاً لدى الجنس البشري.وقد تناول الكتـّاب والمفكرون في العلوم الاجتماعية هذه الظاهرة،.فمنهم من عدّها حاجة ذات أهمية لازمة لحياة الفرد وبنائه النفسي السليم،أي شعور الفرد بكينونته وانتمائه الى عالمه المحلي

ومنهم من عرض المسألة بمفهوم العائلة التي يولد وينشأ فيها الفرد ضمن محلته أو منطقته.فيما عرضها فريق آخر بدالة المحيط الأكبر،أي المجتمع أو الجماعة البشرية التي يترعرع وسطها الفرد ويستمد منها هويته النفسية والاجتماعية.وإن أردنا تقييم وجهات النظر هذه،لوجدناها بالرغم من اختلاف زوايا النظر بينها،إلا أنها تجتمع عند نقطة مشتركة،هي أن خاصية الانشداد إلى مسقط الرأس تبقى ذات أهمية حيوية لدى كل إنسان،وتشغل مساحة خاصة من كيانه النفسي والوجداني

ومن هنا يأتي التساؤل:لماذا هذا التعلق بمكان الولادة؟ولماذا تظل ملاعب الطفولة وذكرياتها تشغل حيزاً خاصاَ في ذاكرة الفرد وعواطفه من دون المراحل العمرية الأخرى؟

يقدم علم النفس وجهات نظر عديدة بهذا الشأن:
فمنها من يفسر ذلك على أنه نوع من (الاقتران الشرطي) بين مسقط الرأس وما يرافق مرحلة الطفولة من أحداث وخبرات وانفعالات؛بمعنى إن مسقط الرأس ومرحلة الطفولة كليهما يزرع في الآخر عاطفة الحنين،ويصبح الحب لأحدهما مشروطاً بالآخر.ووفقاً لمبدأ الاقتران هذا،فإن عاطفة الحنين إلى مسقط الرأس ستتأثر بالطفولة إيجاباً إن كانت هادئة مطمئنة،وسلباً إن كانت قلقة يعتريها الحرمان.
وفي وجهة نظر أخرى يجسدها النموذج المعرفي،يبرز افتراض مفاده أن الخبرات السارة أكثر قابلية للاسترجاع من الخبرات المؤذية.ووفقاً لذلك سيكون مسقط الرأس أو صور الطفولة أكثر احتمالاً للتذكر وللتعلق بها،إن كانت تتضمن خبرات سارة أكثر منها تضمناً لخبرات مؤلمة
أنصار التحليل النفسي ماذا يرون؟

أن مسقط الرأس يبقى عالقاً في لاشعور الفرد،بوصفه البيت النفسي الأول الذي اسست فيه شخصيته،ويعتقدون أن مشاعر الحب والكره لمسقط الرأس أو الناس ذوي الصلة به،ستصاغ جميعاً وفقاً لخصائص ذلك البيت،ويضربون في ذلك مثلاً بوجود الشخصية المعادية لمجتمعها أو المحبة له أو تلك التي تشعر بعدم الاكتراث تجاهه.ولكن قد يجادل مبحث آخر بقوله أن مسقط الرأس أو مكان الطفولة يظلان في كل الحالات راسخين عالقين في الذات بوصفه تلك البهجة المفقودة والصفاء المطلق،مهما كان في حقيقته حنوناً أو قاسياً،ساراً أو مؤلماً

منقول بتصرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى