المزيد

رغم أهميته التاريخية.. برج مرتيل يعاني من إهمال الجهة والمركز

تعرف مدينة مرتيل٬ المطلة على الساحل المتوسطي للمغرب٬ لدى الزائر المغربي والأجنبي عادة بأنها مدينة سياحية بامتياز تستقطب سنويا الآلاف من السياح ٬ إلا أن القليل من ينتبه إلى برج مرتيل الشامخ وسط المدينة ٬ الذي يمنح المدينة بعدها التاريخي الذي تضاهي به أعرق المدن المغربية

وإذا كانت مرتيل أو “مارتين” نسبة إلى أخ السيدة الحرة ابنة علي بن راشد مؤسس شفشاون ٬ حسب بعض الروايات٬ يعود تاريخ وجودها إلى عشرات القرون كان يستعملها الرومان بداية القرن الأول الميلادي مدخلا رئيسا للمدينة التي أسسوها بمنطقة تمودة ضواحي تطوان حاليا ٬ فإنها اطلعت بدور مهم في القرن الثامن عشر لحماية شمال المغرب من الأعداء القادمين من البحر

ولعل أبرز أثر تفتخر به مدينة مرتيل حاليا هو برجها الذي يوجد على يسار مصب نهرها ٬ والذي يرجح تاريخ بنائه إلى عهد السلطان مولاي إسماعيل سنة 1132 هجرية موافق 1720 ميلادية على يد القائد أحمد بن علي الباشا الريفي٬ وهو برج وإن كان الزمن قد ترك أثره عليه ٬ إلا أنه ما يزال شامخا يحكي عن فترات مهمة من تاريخ المغرب ومرحلة الجهاد ضد الغزاة من الأروبيين بعد سقوط الأندلس ومراقبة سواحل تطوان والقيام بدور المنذر المبكر عند بروز المخاطر

وتختزل هندسة البرج العمرانية أصالة البناء المغربي الذي مزج بين ما هو مغربي متفرد وأندلسي بهيج ٬ منحت البرج ليس فقط بعدا عسكريا بل وبعدا جماليا وفنيا بأقواسه البارزة وقبابه العالية وممراته المتناسقة تجعل الناظر منجذبا إلى عبقرية المهندس والبناء المغربي، وإن باتت اليوم يبدو باهتا، بعد أن طليت جداره بالجير الأبيض، بدل لونه البني الأصيل، دون أن تتزين جبناته بإضاءة جذابة، قد تزيد من بهاءه ليلا

إهمال سببه، سلطات المركز في الرباط، وكذا السلطات المحلية ممثلة في عمالة المضيق الفيندق، التي أهتمت أكثر بتزيين كورنيش المدينة، ونشر الأغراس على جنبات طرقها، وتثبيت “النافورات” الكهربائية، في ملتقى الشوارع

وهو البرج٬ الذي قال عنه الباحث خالد الرامي في مؤلفه ” تطوان خلال القرن الثامن عشر٬ تاريخ و عمران” إنه ” بناء عال محصن يتخذ عدة أشكال هندسية مختلفة منها المربع أو المستطيل أو الدائرة أو متعدد الأضلاع٬ كما تختلف مادة بنائه فتكون حجرا أو آجرا أو بعض هذه المواد مشتركة”

واعتبر خالد الرامي أن برج مارتيل “يصنف في خانة الأبراج البحرية٬ كان يعتمد عليه في مراقبة سواحل مدينة تطوان والإنذار المبكر عند بروز أخطار من جهة البحر٬ علاوة على أن هذا البرج مزود بالمدافع لصد هجمات السفن المعادية “٬ مما يجعل من البرج بناء عسكريا متعدد الاختصاصات

ويعد برج مرتيل من الأبراج القليلة في شمال المغرب التي نالها اهتمام الإصلاح والتشييد في مرحلتين هامتين من تاريخ المغرب٬ فترة التشييد الأولى في عهد المولى إسماعيل وفترة السلطان سيدي محمد بن عبد الله٬ الذي أمر بتجديد بنائها خلال زيارته لمدينة تطوان عام 1173 ه/ 1760 م٬ مما يعكس الأهمية التي كان يوليها سلاطين المغرب لهذه المنطقة ٬ التي كانت تثير أطماع الغزاة القادمين من أوروبا آنذاك

وإذا كان البرج قد لعب دورا مهما في تأمين شواطئ المنطقة وحمايتها من التدخل الأجنبي سالفا ٬ فإنه قليلا ما يثير حاليا اهتمام الزائر للمدينة ٬ الذي أضحت تستهويه أكثر شواطئ مرتيل الذهبية وأماكن الاصطياف العريضة٬ وناذرا ما يهتم هذا الزائر بالبعد التاريخي لمدينة مرتيل٬ التي يرى بعض مؤرخي تطوان أنها لا تقل أهمية وشأنا عن المدن المغربية العتيقة رغم قلة بناياتها ومآثرها التاريخية

ولا يختلف اثنان في أن الاهتمام بتاريخ مدينة مرتيل قد يعزز أكثر حضور المدينة في الخريطة السياحية المغربية ٬ التي تحتاج إلى كل مقوماتها العمرانية والتاريخية والحضارية للنهوض بهذا القطاع الحيوي في الاقتصاد المغربي

عبد العزيز حيون – أطلس نيوز

menarapress.com


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى