المزيد

إنَّ اللَّه جمِيلٌ يُحِبُّ الجمال

إنَّ اللَّه جمِيلٌ يُحِبُّ الجمال
الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا يدفعنا إلى العلم والمعرفة بأسمائه وصفاته الواردة في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الصحيحة، وإثبات لله عز وجل ما أثبته لنفسه ـ منْ أسماء وصفات ـ مِنْ غير تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل، ولا تحريف.. فالله عز وجل لا نظير له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11). قال السعدي: “{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء مِن مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأنَّ أسماءه كلها حُسْنَى، وصفاته صفات كمال وعَظمة”. وقال ابن تيمية في “العقيدة الواسطية”: “ومِن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11). فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خَلقه، لأنه سبحانه لا سَمِيَّ له، ولا كفو له ولا ند له، ولا يُقاس بِخَلْقه – سبحانه وتعالى ـ”..

وصفات الله تعالى كأسمائه توقيفية لا مجال للعقل فيها، فلا نُثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دل الكتاب والسُنة النبوية الصحيحة على ثبوته، قال الإمام أحمد: “لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يُتجاوَز القرآن والحديث”. وقال ابن تيمية في “منهاج السنة النبوية: “طريقة سلف الأمة وأئمتها: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله: من غير تحريف، ولا ‌تعطيل، ولا تكييف، ولا ‌تمثيل: إثبات بلا ‌تمثيل، وتنزيه بلا ‌تعطيل، إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فهذا رد على الممثلة {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11) رد على ‌المعطلة”. وقال ابن القيم في “الصواعق المرسلة”: “كل صفة ثبتت بالنقل الصحيح، وافقت العقل الصريح، ولابد”.

و”الجمال” صفة مِن صفات الله عز وجل، فالله سبحانه جميل، جميلٌ في ذاته، جميلٌ في أسمائه، جميلٌ في أفعاله، جميلٌ في صفاته، يُحِبُّ الجَمال، ويُحِبُّ مِن عبادِه الاتِّصافَ بالتَّجمُّل. قال ابنُ الأَثِير في “النهاية في غريب الحديث والأثر”: “(إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَمِيل): أَيْ حَسَنُ الأَفعَالِ، كَامِلُ الأَوصَاف”.

وقال ابن القيم ـ في كتابه “الفوائد”: “وَمِن أعز أَنْوَاع الْمعرفَة معرفَة الرب سُبْحَانَه بالجمال، وهِي معرفَة خَواص الْخَلق، وَكلهمْ عرفه بِصفة مِن صِفَاته، وأتمهم معرفَة مَنْ عرفه بِكَمَالِهِ وجلاله وجماله، سُبْحَانَه لَيْسَ كمثله شَيْء فِي سَائِر صِفاته.. وَيَكْفِي في جماله أَن كل جمال ظَاهر وباطن فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَمن آثَار صَنعته، فمَا الظَّن بِمن صدر عَنه هذا الجمال. وَيَكْفِي في جماله أَنه لَه الْعِزَّة جَمِيعًا، وَالْقُوَّة جَمِيعًا، والجود كُله، وَالْإِحْسَان كُله، وَالْعلم كُله، والْفضل كُله، ولنور وَجهه أشرقت الظُّلُمَات.. وَمن أَسْمَائِهِ الْحسنى “الْجَمِيل”، وَفِي الصَّحِيح عنه صلى الله عليه وسلم: (إِن الله جميل يحب الْجمال). وجماله سُبْحَانه على أَربع مَرَاتِب: جمال الذَّات، وجمال الصِّفَات، وجمال الْأَفْعَال، وجمال الْأَسْمَاء. فأسماؤه كلهَا حُسنى، وَصِفَاته كلهَا صِفات كمَال، وأفعاله كلهَا حِكْمَة ومصلحة، وَعدل وَرَحْمَة. وَأما جمال الذَّات وَمَا هُوَ عَلَيْهِ فَأمر لَا يُدْرِكهُ سواه، وَلَا يُعلمه غَيره، وَلَيْسَ عِنْد المخلوقين مِنْهُ إِلَّا تعريفات تعرّف بهَا إِلَى من أكْرمه من عباده”.

وقال المناوي: “إن الله جميل أي له الجمال المطلق، جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، يحب الجمال أي التجمل منكم في الهيئة، أو في قلة إظهار الحاجة لغيره، والعفاف عن سواه”.

و”الجمال” صفةٌ ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ بالسنة النبوية الصحيحة. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْر. قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِب أنْ يكون ثَوْبُه حَسَنًا ونَعْلُه حَسَنَة، قالَ: إنَّ اللَّه جمِيلٌ يُحِبُّ الجمال، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ (التكبر عن الإقرار به)، وغَمْطُ (احتقار) النَّاس) رواه مسلم. وللحديث روايات أخرى كلها تتفق على قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى