المزيد

الأخطاء الطبية

هذه مساهمة متواضعة فيما يخص الأخطاء الطبية و هي ليست دعوة إلى عدم مسائلة الأطباء بقدر ما هي محاولة لوضع العلاقة الإنسانية و الأخلاقية بين الأطباء و مرضاهم في إطارها الطبيعي الصحيح مع ضمان حقوق وواجبات الطرفين وذلك لرفع المستوى الصحي للمواطن المغربي

لا شك أن الخطأ من سمات الإنسان و أننا من الأخطاء نتعلم، ومع ذلك فلا يسعنا إلا أن نتساءل هل يمكن أو يجوز أن يكون الخطأ طبيا ؟؟ وبمعنى آخر هل للطبيب الحق في أن يكون إنسانا عاديا و يمكنه أن يخطأ ؟؟ ثم لماذا كل هذا التضخيم الإعلامي والمحاكمات الشعبية الجاهزة والإسراع في إصدار الأحكام قبل الحسم القضائي، كلما تعلق الأمر بحوادث موازية للتدخل الطبي ؟؟
إنها مسالة مهمة تطرح نفسها بإلحاح في جانب من أهم الجوانب في صيرورة العملية العلاجية نظرا لطبيعتها الفنية و الإنسانية و الأخلاقية وكذا لحساسية الوسائل التقنية اللازمة لتقدير الخطأ الطبي و ترتيب المسؤولية
فالطب بالرغم من كل ما أوتي من تقدم علمي و تقني لا يمكن أن يكون إلا نسبيا ولا يمكنه أن يصنع المعجزات , و الخطأ الطبي الوارد حتى بين أمهر الأيادي الطبية لا يمكن اعتباره أكثر من خطأ مهني مع مراعاة وضعه في إطاره الصحيح والأخذ بعين الاعتبار لكل العوامل الأخلاقية و الاجتماعية و الإنسانية و الفنية التي يمكن أن تؤثر في العملية العلاجية
بصفة عامة فمفهوم الخطأ الطبي هو إخلال الطبيب بالقواعد والأصول المتعارف عليها في مجال الطب

والمشرع كان ذكيا عندما لم يتطرق إلى تعريف الخطأ الطبي و تحديد مفهومه و ترك المجال واسعا لاجتهاد أصحاب الفقه القضائي الذين يمكنهم الاستعانة أو الاستئناس بآراء ذوي الخبرة. لأن الحديث عن الخطأ يتطلب توفير ثلاثة عناصر علمية تثبته وهي إثبات الخطأ والتحقق من الضرر الناتج ثم قيام العلاقة السببية بينهما. و هذا بطبيعة الحال لا ينطبق على المضاعفات الطبية و التي لا يمكن تفاديه
ثم إن أساس الخطأ الطبي يرتكز على معيارين أساسيين
– أولا : المعيار الموضوعي و هو مقارنة سلوك الطبيب مع طبيب من فئة متوسطي الحيطة و الحذر مع مراعاة الظروف الزمانية و المكانية
– ثانيا : المعيار الشخصي والذي يأخذ بعين الاعتبار لما كان يجب على الطبيب فعله في الظروف التي أحاطت به
أما المفهوم القانوني للمسؤولية الطبية للمعالج عن شخصه و عن مساعديه فهي تطرح عدة إشكاليات على مستوى تحديد الأساس القانوني الذي تقوم عليه عقديا كان أو تقصيريا. وفي هذا النطاق يجب التفرقة بين الخطأ المادي الذي ليست له علاقة بالقواعد المهنية الطبية و أصولها وبين الخطأ المهني الذي يتصل بالأصول الفنية للمهنة و الذي قد يكون يسيرا أو جسيما
خلاصة القول أن الخطأ الطبي يدخل في إطار الإخلال بالالتزام العام المفروض قانونا على كافة أفراد المجتمع و ينعدم فيه عنصر القصد الجنائي. وهو قد يكون ناتجا عن عدم التبصر أو عدم الاحتياط أو عدم الانتباه أو الإهمال أو عدم مراعاة النظم والقوانين الجاري بها العمل في الفعل الطبي
والقانون اشترط مجموعة من الإجراءات القانونية قصد ضمان حقوق المريض و حماية الطبيب في حالة بذله كل الحرص اللازم و استعماله لكل الوسائل المتاحة ما دام الفعل الطبي ملزما فقط بالوسائل وليس بالنتيجة
بقي أن نشير أنه إلى جانب الجهاز القضائي الذي خول له المشرع كل الصلاحيات للبث في المشاكل التي يمكن أن تطرحها الأخطاء الطبية في إطار ضمانات قانونية محددة. فإن على المجلس الوطني لهيأة الأطباء و مجالسه الجهوية أن يمارسوا بحكم القانون اختصاصاتهم الزجرية و التأديبية على كافة الممارسين لمهنة الطب و يحرصوا على عدم تجاوز النظم والقوانين المهنية و الإخلال بها والمساس بكرامة و شرف و قدسية مهنة التطبيب
وأختم القول أنه يجب التفريق بين الغلط و الخطأ وأن الحسم النهائي لا بد أن يمر عبر القنوات القانونية التي تحكمها الإجراءات و المساطير الضامنة لحقوق كافة المواطنين بما فيهم المرضى و الأطباء. وأن حسنات الطب أكثر من سيئاته وأنه لا يمكن اعتبار أي طارئ ناتج عن التدخل العلاجي خطأ طبيا وإلا فإن الأمر سينعكس سلبيا على تقدم الطب في بلدنا
كما وجب التذكير أن هناك الكثير من الآفات و الحوادث التي تستحق الرصد و التحليل و المتابعة نظرا لما تشكله من خطر حقيقي على الإنسان و بيئته و تحدث له أضرارا نفسية و عضوية و اجتماعية جسيمة أكثر مما يمكن أن تحدثها الأخطاء الطبية، و أخص بالذكر حوادث السير و التدخين و المخدرات و التلوث

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى