المزيد

قرأت لكم : التشبث بكرسي المنصب

imagesهذه الصفة غير المحبوبة وغير اللائقة تصيب بعضا من المسؤولين على كل المستويات، سواء كانت منتخبة أو معينة أو حتى كانت بالمصادفة حسب أقدميتها في الوظيفة
مساكين هؤلاء المشتاقون للمناصب أيا كانت هذه المواقع، يغازلون الكراسي بجنون يصل إلى حد الهوس ، أتقنوا فن الانتظار الطويل في البداية ، عذبهم الملل ثم تكيفوا معه، تتفتح مساماتهم أكثر كلما جاءت سيرة أي تغيير في المنصب، يعني في أذهانهم الأهمية والجاه وتذوق متعة النفاق المتقن الصنع! ينامون فيرون أنفسهم في الأحلام وقد جلسوا على الكراسي، فإذا ما أفاقوا من النوم وجاءوا اللحاف قد تزحزح عن مكانه وفي أحلام يقظتهم يتمنون لو أن فضيحة ما أطاحت بالجالس فوق الكرسي لحل محله..كما تجد أيضا أن يوم انتهاء الخدمة وترك الكرسي حزن عميق وأسى وربما في بعض الأحيان تشبث غير قانوني وغير دستوري بالكرسي اللعين
وهنا نجد أيضا بأن المتشبث بالكرسي يجمع حوله الأماني العظيمة والدعاء إلى الله بأن يصدر قرار بتمديد مدته القانونية التي أوشكت على الانتهاء.. فلماذا التمسك بالكرسي إذا كان أساسا هو في خدمة الناس ؟لماذا السعي والموت من أجل البقاء في منصب زائل بحكم الزمن وبحكم التاريخ وبحكم سنة الحياة؟
إن مظاهر التشبث بالكرسي رأيناها في الكثير من المؤسسات بمختلف أنواعها وحينما غادروا الكراسي بعد زمن طويل طويل جدا وبعد مهاترات كلامية ومشادات ومناكفات حينها للالتفاف حولها.. وجدنا من المصائب والكوارث مالم يتحمل سماعه أو حتى رصده وجمعه وطرحه من السيرة الذاتية للراحلين عن الكراسي.. رأينا ذلك في أكثر من مؤسسة وفي الأحزاب السياسية
ماذا يحدث إذاتخلواعن القيادة وأتاحوا الفرصة أمام جيل آخر من الجماعة أو الحزب ليقود ويطور ويبدع ،فالموهبة لها حدود في العطاء بانتمائها تصبح الشخصية مجمدة ومسترجعة لتاريخ لا فائدة منه، يصبح المسؤول محتاراً ولا أمل يمثله ولا مستقبل يسعى إليه ..إن هذه العادة وإن اتصفت بالعمومية بين البشر إلا أننا في بلادنا وعالمنا العربي تميزنا بها وانفردنا
لاشك بأن رقي المجتمع وتطوره وتطوير الأداء الديمقراطي وحرية التعبير ورفع الحظر عن الفكر الحر المؤدب والمستنير كل هذه العوامل هي طريق جيد لإبعاد صفة من أسوأ الصفات لدى مسؤولينا وهي صفة التشبث بالكرسي هل تستحق مقاعد السلطة وكراسي الحكم.. أن يضطر الجالسون عليها إلى تنكيس الرؤوس وابتلاع الإهانات واحتمال التجريح من أجل الاحتفاظ بهذه الكراسي وعدم التفريط فيها؟
في المجتمعات الديمقراطية لا يتردد الجالسون على مقاعد السلطة وكرسي الحكم عن تقديم استقالاتهم من مناصبهم وترك السياسات المطبقة إن هم أخطأوا، بل أنهم لا يترددون عن تقديم استقالاتهم إن وقع خطأ من العاملين تحت قيادتهم رغم عدم مسؤوليتهم المباشرة عن هذا الخطأ، طبعا هذا التقليد السائد في المجتمعات الديمقراطية لا وجود له في مجتمعاتنا حيث يتشبث المسؤول بكرسيه ويتمسك بمقعده ولا يتخلى عن موقعه حتى ولو أخطأ، وإذا وقع خطأ في دائرة اختصاصه ومحيط عمله فإنه يتنصل من المسؤولية ويحمل الأخطاء على مرؤسيه ويضحي بهم في سبيل البقاء في موقعه متجاهلا الانتقادات اللاذعة التي توجه إليه والأصوات التي تطالبه بالاستقالة
إن ما يحزنني هو ذلك السؤال لماذا لا يتردد المسؤولون في المجتمعات الديمقراطية عن الاستقالة والتضحية بمقاعدهم بينما يتمسك المسؤولون عندنا بها ولا يفرطون فيها مهما كانت الأسباب ؟؟ الجواب ببساطة أن المسؤول عندنا إذا تخلى عن كرسيه أو تخلى الكرسي عنه فقد كل شيء، فقد السلطة وفقد النفوذ والجاه، وربما أصبح بلا مستقبل،بينما في المجتمعات الديمقراطية يستقيل الوزير من الحكومة ولا ينقطع عن ممارسة نشاطه السياسي ، وكم من وزراء اختلفوا مع رؤسائهم واستقالوا ثم عادوا من خلال صناديق وإرادة الجماهير،
وفي كل الأحوال فإن الاستقالة تنتهي بصاحبها إلى الدخول في دائرة الظل والويل لمن يدخلون دائرة الظل في بلادنا ينصرف عنهم المنافقون والانتهازيون ويدير الناس لهم الظهور ويتجاهلون وجودهم، لذلك يجب ألا نندهش عندما يتمسك المسؤول بأظافره وأسنانه بالكرسي الذي يجلس عليه
وعندما يتشبث المسؤول بالكرسي دليل على خوفه من زوال قوته الظالمة،ونسي أو تناسى قوله تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 26سورة آل عمران
فسبحان مغير الأحوال
ملحوظة : إخترت هذا المقال الصادر عن منتدى الجمعية الوطنية لمديرات و مديري التعليم الإبتدائي بالمغرب ليس بمناسبة الإنتخابات الجماعية المقبلة و إنما لأن آفة حب كرسي المنصب متفشية في جميع المجالات في الأحزاب السياسية ، في النقابات ، في الجامعات و الأندية الرياضية ، في الجمعيات … و طبعا في المناصب العليا للدولة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى