المزيد

فايسبوك … هل صارَ “بليّـة” العصـــر؟

Facebook.. هل صارَ "بليّـة" العصـــر؟!
هسبريس ـ محمد الراجي

زواره يقدّرون بأزيد من 900 مليون شخص، وينتمون إلى القارات الخمس، من بينهم 4.7 ملايين مغربي. الكثيرون لا يستطيعون أن يشغّـلوا حواسيبهم دون تصفحه، وآخرون يتخذونه أول موقع يلجونه كلما جلسوا أمام الحاسوب. إنه فايسبوك  ، أشهر موقع اجتماعي في العالم، أو “بلية” العصر، كما يسميه البعض

حالة إدمان؟

أغلب الشباب المغاربة الذين سألتهم “هسبريس”، وكلهم من الشباب، حول ما إن كانوا يستطيعون تشغيل حواسيبهم دون تصفح موقع “فيسبوك”، اتفقوا على جواب واحد، وهو أن الأمر تقريبا مستحيل. “لا يمكنني تشغيل الحاسوب دون تصفح “فيسبوك”، لقد أصبح شيئا ضروريا بالنسبة لي”، تجيب سعيدة، وفي نفس السياق يسير جواب فاطمة، هذه الأخيرة تقول بأن حاسوبها عندما يكون مشغّلا، فإن صفحتها على “فيسبوك” تكون بدورها مفتوحة، بل تذهب إلى حدّ القول بأن “فيسبوك” هو أول موقع تتصفحه حال تشغيل جهاز الحاسوب، أما سارة، فتذهب أبعد من ذلك، وتقول بأنها كلما جلست أمام الحاسوب، تذهب مباشرة نحو صفحتها على الموقع الاجتماعي الشهير. “غيرْ نشعْل الحاسوب كانمشي ديريكت نفتح الفيسبوك، واخا ماشي هو المقصود كيبحالا يدييا حافضين آش إديرو، مْع دبا عندي الانترنت فالأيفون كانفتحو من 4 إلى 6 مرات في اليوم” ,  تشرح سارة

هل يتعلق الأمر بحالة إدمان على هذا الموقع؟ عالم الاجتماع المغربي، الدكتور جمال خليل، يجيب على سؤال “هسبريس” قائلا بأن هناك فعلا نوعا من الإدمان، مُرجعا سبب ذلك إلى أوقات الفراغ التي يعاني منها الشباب. “عندما يكون الإنسان مشغولا، ولديه عمل يقوم به، لن يكون مدمنا على تصفح “فيسبوك” لمدة طويلة، وبالتالي سيتصفح الموقع لوقت محدد، ثم يغلقه”، يشرح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. سبب الإدمان إذن هو قلة ما يدّار

“مغناطيس” إلكتروني

“فيسبوك”، يشبه مغناطيسا يجذب الزوار بالملايين من مختلف بلدان العالم، ومن القارات الخمس، لدرجة أن عدد زواره يصل إلى أكثر من 900 مليون، من بينهم 4.7 ملايين مغربي، حسب آخر الإحصائيات. لكن ما الذي يجذب كل هذه الملايين من الناس نحو التعلق بهذا الموقع إلى درجة الإدمان؟ “تكوين الصداقات وتبادل الخبرات”، يجيب خالد، فيما ترى فيه ندية متنفسا “يمكنها -حسب قولها- من ممارسة هواية الخربشات و تدوين كل ما يخطر ببالي بتلقائية و عفوية دون اللجوء إلى مساحيق، هو أيضاً وسيلة لإيصال صوتي، ورأيي وللدفاع عن قضايا أؤمن بها”. مصطفى شكدالي، أستاذ علم الاجتماع والنفس يشرح الأمر أكثر في اتصال مع “هسبريس” قائلا بأنّ غياب التواصل بشكل حرّ في الحياة الواقعية هو الذي يدفع بالناس إلى التواصل أكثر من خلال العالم الافتراضي. “فيسبوك هو بمثابة حجاب يمكّن رواده من مناقشة المواضيع التي لا يستطيعون مناقشتها بوجوه مكشوفة، هو مثل قناع يعوضون به الأقنعة التي يضعونها في الواقع”. يشرح الأستاذ شكدالي، ويضيف بأنّ من أسباب اللجوء إلى فيسبوك للتعبير عن الرأي هو “أن الواقع لا تتوفر فيه الحرية لمناقشة مثل هذه المواضيع، خصوصا الثالوث المقدس: السياسة والجنس والحب، أما العالم الافتراضي فيتيح لنا مناقشة هذه المواضيع بدون أدنى حرج، من خلال التخفي وراء الأسماء والصور المستعارة”. كلام الأستاذ شكدالي يؤيده أحمد بقوْله: “في الموقع هامش هائل من الحرية، وغياب الرقابة الذاتية ما دامت إمكانية التخفي وراء الأسماء المستعارة متاحة”. هذا الهامش من الحرية الذي تحدث عنه أحمد، من بين الأسباب التي تجعل المنخرطين في الموقع يتصفحونه لمرات عديدة في اليوم، ولساعات طوال. فإذا كانت سارة تفتح صفحتها على الموقع ما بين 4 إلى 6 مرات في اليوم، فإن عدد الساعات التي يقضيها رواد الموقع، الذين استطلعت “هسبريس” آراءهم، في تصفح صفحاتهم وصفحات أصدقائهم، تترواح ما بين 3 إلى خمس أو ستّ ساعات يوميا، وقد تمتدّ إلى أكثر من ذلك، خصوصا في أيام العطل، كما في حالة الحسين، الذي يقول بأن عدد الساعات التي يقضيها في تصفح الموقع أيام العطل يمكن أن يصل إلى 9 ساعات في اليوم. إنه الإدمان بعينه

فيسبوك” والعلاقات الاجتماعية”

الكثيرون يقولون إن فيسبوك، والانترنت بصفة عامة، يؤثر على العلاقات الاجتماعية، ويحوّل الإنسان من كائن اجتماعي إلى كائن منعزل. الحسين يعترف بشعوره بكونه بدأ ينغلق على نفسه، ويقول بأن فيسبوك، والعلاقات الافتراضية بدأت تأخذ مكان العلاقات الإنسانية الحقيقية. غير أن خالد له رأي مخالف لهذا الرأي. “أبدا، أنا قبل ظهور فيسبوك كان لي أصدقاء، ولكن كانوا قليلين، اليوم لدي أصدقاء في جميع المدن، وأي مدينة أرغب في زيارتها لا أتردد في تحديد موعد للالتقاء بهم”. يقول خالد، وفي نفس الاتجاه ينحو جواب عائشة (اسم مستعار)، الأخيرة تعمل في ميدان الصحافة، وتقول: “فيسبوك ساهم في إنجاح عملي وعلاقاتي الاجتماعية، وبصفتي صحفية اكتسبت مجموعة من المعارف من خلال هذا الموقع، بل حصلت على فرص عمل أيضا. رأي خالد “وعائشة” تؤيّده إكرام، حيث تذهب بدورها إلى القول بأن تأثير الموقع تأثير إيجابي، أما سعيدة فقد أثر الموقع على علاقاتها الاجتماعية إيجابيا وسلبيا. “فمن ناحية، تقول سعيدة، ازدادت علاقتي بأشخاص توطدا، ومن ناحية أخرى خسرت أشخاصا بسبب فيسبوك”. كيف؟ “هناك أشخاص من العائلة كنت أكنّ لهم الاحترام والحب والتقدير، وكانوا دائمي التواصل معي على فيسبوك، وفجأة أصبحوا لا يعيرون لي أي اهتمام، والسبب هو نشر صور لي وكتابة تعليقات أعبر بها عن شخصي كإنسانة”. تشرح سعيدة. وإذا كان فيسبوك وسيلة لتوطيد العلاقات مع الآخرين بالنسبة لخالد وعائشة وسعيدة، فإن حدود علاقة فاطمة بأصدقائها لا تتعدى حدود فيسبوك. “الفايسبوك عالم افتراضي ينتهي بمجرد إغلاق الصفحة”. تقول فاطمة. الدكتور جمال خليل يقول بأن البحث عن علاقات اجتماعية مع الآخر، واحد من الأسباب التي تشدّ رواد الانترنت إلى فيسبوك. “عندما يفتح الشخص صفحته على فيسبوك يبني حوله شبكة عالمية من الصداقات، ومن ثمّ يشعر بأنه في مركز هذه الشبكة، وهذه الإمكانية لم تكن متوفرة للعامة من قبل”. يشرح عالم الاجتماع.

مضيعة للوقت

السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: ماذا يفعل رواد موقع فيسبوك طيلة الساعات الطوال التي يقضونها في تصفح صفحات الموقع؟ والإجابة التي تأتي بعد هذا السؤال غالبا، هي أن الأمر مجرد تضييع للوقت لا أكثر، لكن ندية لا تتفق مع هذا الرأي، “البعض يعتبر “فيسبوك” مضيعة للوقت، أما أنا فأعترف أني تعلمت أشياء كثيرة ومفيدة بفضله، فيسبوك بالنسبة لي منبر من لا منبر له”، تردّ ندية مدافعة عن رأيها. رأي ندية توافق عليه كوثر بقولها: “عندما أتصفح موقع فيسبوك أفضل مناقشة المواضيع الهادفة”. وهناك من يبحث من خلال الموقع على متابعة الأحداث السياسية، على الصعيد الوطني أو العالمي، مثل الحسين وسارة، اللذين يتفقان على أن فيسبوك أصبح يقدم الأخبار بسرعة أكبر من سرعة التلفزيون. غير أن هناك أمرا مهما يشير إليه الدكتور جمال خليل، وهو أن رواد “فيسبوك” يبحثون أيضا عن الأخبار “كما هي”، أي تلك الأخبار التي تنتقل إلى القارئ مباشرة من مكان وقوع الحدث، دون أن تكتبها يد صحافي، أو يتدخل فيها رئيس قسم تحرير، مضيفا: “رواد فيسبوك يبحثون عن الأشياء التي يريدون سماعها، وليس عن الأشياء التي تفرض عليهم وسائل الإعلام سماعها أو قراءتها”. لكن هل جميع “الفيسبوكيين” يستغلون الوقت الذي يقضونه في تصفح الموقع لمناقشة المواضيع الهادفة؟ محسن يجيب بالنفي قائلا: “هناك من يناقش مواضيع الساعة ويحسن استعماله (أي فيسبوك) ولو قليلا، وهُناك من يقضي فيه ساعات وساعات في الدردشة و”التخربيق”. كلّها وهمّو.

هل تشعر أنك مدمن على فيسبوك؟

“مسالة أن أكون مدمنة لا أفضلها، لأن التسمية تتجه في مسار جعْـل الموقع داء أو مرضا علينا أن نشفى منه، بالعكس فيسبوك أصبح وسيلة معلومة أكثر من تسلية”. تجيب “عائشة” على السؤال أعلاه. وتشاطرها ندية الرأي بقولها: “نعم، فيسبوك هو إدمان، ولكن لا أرجو الشفاء منه. مرات عديدة فكرت في التخلص من هذا الإدمان لكن كل مرة تبوء بالفشل و أعود إلى صفحتي وأصدقائي”. أما سعيدة فتجيب بأنها تشعر بأنها تزدادا إدمانا أكثر من أي وقت مضى، “والآن أحاول تغيير سلوكي بالاستعانة بالكتب والخروج، لأن الجلوس في البيت بعد أوقات العمل دون القيام بأي شيء يزيد ربما من رغبتي في تشغيل الكمبيوتر”. توضّح سعيدة، فيما تجيب فاطمة على نفس السؤال باقتضاب: “نعم، في بعض الأحيان أشعر أنني مدمنة”. الله يشافي الجميع!

الاستغناء عن فيسبوك أمر مستحيل

هل فكرت يوما في إغلاق صفحتك على فيسبوك بصفة نهائية؟ مستحيل. هذا هو الردّ الذي أجاب به كل الذين طرحت عليهم “هسبريس” هذا السؤال. لكن لماذا؟ خالد يقول بأنه لم يسبق له أن فكر في هذا الأمر أبدا. أما أحمد فيقول بأن فيسبوك يأخذ من وقته أحيانا قدرا زمنيا يجعله يفكر في التخلص من صفحته على فيسبوك، “لكني أعْدل عن ذلك نظرا لعدد من العلاقات الإنسانية والمهنية التي اكتسبتها بفضل الموقع، والمشكلة أن عددا من الأصدقاء يفضلون التواصل فحسب عبر الفيسبوك” يقول أحمد متسائلا : فما الحيلة؟ الله أعلم أسّي أحمد

في المقابل جرّبت سارة إغلاق صفحتها أكثر من مرة، لكن سرعان ما تعاود فتحها من جديد. السبب الذي يجعل سارة تغلق صفحتها لا يعود إلى الوقت الذي تضيعه أثناء تصفح الموقع، بل لعدم ارتياحها لبعض الأصدقاء. “شحال من مرّة كنلغي الحساب ديالي وكنبقا شويا أو كنعاود نشغلو، ماشي على حساب الوقت ولكن حيتْ كتلاقا مع شي عقليات مكيحتارموش أوكيندمو بنادم”. تقول سارة

الحسين جرب بدوره أن يغلق صفحته، لكن صبره لا يدوم سوى 24 ساعة، ويعيد فتحها من جديد، ملقيا باللوم على مالك فيسبوك، الذي يقول عنه الحسين بأنه ذكي جدا، لأن مستخدمي الموقع لا يستطيعون إغلاق صفحاتهم بشكل نهائي، ما دام أن أمر الولوج إليها حتى بعد إغلاقها يظل ممكنا، دونما حاجة إلى إعادة التسجيل في الموقع من جديد. “إنها فعلا “بليّة” العصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى