المزيد

علاج الإحباط

علاج الإحباط

لقد شاع استعمال لفظ الإحباط في عصرنا بمعنى شعور الإنسان بالخيبة لفشله في عمله وعدم تحقيق أهدافه، ويعقب هذا النّوع من الإحباط حالة من اليأس ربّما تؤدّي لترك العمل بالكلّيّة

وقال بعض الباحثين: الإحباط (بمفهومه العصريّ) يعني مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروريّ لإشباع حاجة ملحّة عنده

من أسباب الإحباط

أولاً: الجهل: فحين عد ابن القيم -رحمه الله- شيئا من الكبائر ذكر منها القنوط واليأْس من رحمة الله، ثم قال: إن ما تنشأ من الجهل بعبودية القلب، وترك القيام بها

ثانياً: قلة الصبر واستعجال النتائج: فتضعف النفوس عن تحمل البلاء والصبر عليه، وتستعجل حصول الخير، فإذا لم يتحقق له ما يريد من زوال البلاء والشدة وقد قل صبره أصابه الإحباط

هناك مظاهر قد تدل على إصابة الإنسان بالإحباط، ومنها

الحزن الشديد والقلق: أول علامات الإحباط هي الشعور بالحزن الشديد، أو حين يحس الإنسان في غالب الأحيان أن لا شيء في حياته على ما يرام. هذا النوع من الحزن قد ينتج عنه شعور أنه لا ينفع معه عزاء، فتجد الإنسان المحبط منغلقاً على نفسه دائماً وغير قادر على استقبال أية أفكار إيجابية، وحين لا يحسن العبد التعامل مع الضيق والقلق يكون فريسة لداء الإحباط

والقلق والحزن لا يكاد يسلم منه كثير من الناس، لكن أهل الإيمان يستشعرون قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما يصيب المؤمنَ من وَصَبٍ ولا نَصَبٍ، ولا سقمٍ ولا حزن، حتى الهّمُّ يهمه إلا كفر الله به من سيئاته”. وبهذا يتجاوزون مرحلة القلق والحزن وينتظرون من الله تعالى الفرج

الشعور بالعجز والكسل: فشعور الإنسان بذلك يجعله يصاب بالإحباط؛ فيصبح خاملاً لا ينجز شيئا لدينه ولا لدنياه

وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتعوذ كثيراً من هذه الآفات، قال أنس -رضي الله عنه-: كنتُ أخدمُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فكنت أسمعه كثيراً يقول: للهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ

اليأس والقنوط: وهما يقضيان على الأمل، ويحولان دون العمل، ويذيقان من تلبس بهما مرارة الإحباط والفشل، فالمؤمن لا يقنط أبداً {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر:56]

اعتزال الناس والانكفاء على النفس؛ هربا من مواجهة الأعباء وتحمل المسؤولية التي تجب على الفرد؛ ويأساً من إصلاح المجتمع، ولقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إشاعة روح التشاؤم في المجتمع، والادعاء بأن الخير قد انتهى من الناس. قال -صلى الله عليه وسلم-:  إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ

فالمحبطون كثيراً ما تسمع منهم: “لا فائدة مما نقوم به”، “لن تتعدل الأوضاع”، “ذهب الخير”… إن من يقول هذا فإنه يقتل الحياة ويغتال الأمل ويزرع اليأس، ويكون أول الهالكين بتشاؤمه وإحباطه

إن ديننا يدعونا إلى التفاؤل والبِشر، وترك اليأس والقنوط والتخاذل، حتى في أشد الظروف قتامة وصعوبة، فالقرآن يخبرنا {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح:5-6]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يبين لنا:  أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ

علاج الإحباط ومقاومته

يجب على المسلم مقاومة الإحباط، والسعي في معالجته، والحد من سيطرة هذه المشاعر السلبية عليه والعمل على منع تفشيها في أوساط المجتمع، ومن أسباب معالجة الاحباط

أولاً: تقوية الإيمان بالقضاء والقدر، والرضا بما قدره الله؛ حتّى يقبل الشخص ما قسم الله له من الرّزق والصّحّة والمنصب، وليعلم أن ما قدره الله له كله خير وإن كان في ظاهره الشر {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء: 19]

ثانياً: أن يتعوّد الإنسان على الأخذ بالأسباب، والصّبر على البلاء، فهذا يعقوب -عليه السلام- مع ما هو فيه من البلاء الشديد يوصي أبناءه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف:87]

ثالثاً: التفاؤل والأمل من أعظم العلاجات لداء الإحباط، وأفضل الأمل ما كان مع الشدة والبلاء، وكلما زادت شدة المؤمن زاد أمله ورجاؤه في الله، فالتفاؤل دافعٌ لحسن الظن بالله، ويوجه صاحبه ليصنع من الكرب والعسر طريقاً للبحث عن الفرج والخلاص

رابعاً: ومن أعظم العلاج الدعاء والانكسار بين يدي الله: ولا يخفى على العبد أثر الدعاء في نيل مراده، وتحقيق مطالبه ومآربه الدينية والدنيوية، والدعاء يحتاج إلى إلحاح وصبر وعدم استعجال، قال رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: “يُسْتَجابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجبْ لي” (رواه البخاري)

خامسا: زيارة الطبيب النفسي والتداوي ، فكثير من هذه الاضطرابات تزول بفضل الله تعالى مع تناول العلاجات المناسبة على أيدي المتخصصين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ت داوَوا ، فإنَّ اللَّهَ تعالى لم يضع داءً إلَّا وضعَ لَهُ دواءً غيرَ داءٍ واحدٍ الهرَمُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى