المزيد

المقاومة المغربية وثورة الملك والشعب

بعد توقيع معاهدة الحماية انطلقت في كل التراب المغربي مقاومة مسلحة إلى غاية 1934، وشهد المغرب بعد ذلك مرحلة المقاومة السياسية ثم مرحلة الكفاح المسلح التي ساهمت في تحقيق الاستقلال. فكيف حدثت المقاومة المسلحة؟ وكيف تأسست الحركة الوطنية وانتقلت من مرحلة المقاومة السياسية إلى الكفاح المسلح؟ وما هي مراحل تحقيق الاستقلال والوحدة الترابية؟

شهد المغرب مقاومة مسلحة للاستعمار ما بين1912 و 1934

في المناطق الجنوبية

برز المقاوم أحمد الهيبة بن ماء العينين الذي بايعه أهل سوس على الجهاد، انطلق من تيزنيت في مايو 1912، ودخل إلى مراكش في 18 غشت، وتمت المواجهة بينه وبين الفرنسيين بقيادة الكولونيل مانجان  في معركة سيدي بوعثمان حيث انهزم في 6 شتنبر 1912، ودخل الفرنسيون إلى مراكش حيث عينوا المدني الكلاوي باشا عليها، بعدها توجه المقاوم الهيبة نحو الجنوب الغربي لمواصلة المقاومة إلى غاية وفاته سنة1919، فخلفه أخوه مربيه ربه على رأس المقاومة إلى غاية 1934

في الأطلس المتوسط

استعان المقيم العام ليوطي بالقياد وخاصة الكلاوي والكندافي والمتوكي، وتمكن من إخضاع الجنوب الغربي سنة 1913، ثم تازة في ماي 1914 بعد استسلام المقاوم الحجامي. وتوجهت جيوش الاحتلال بقيادة الكولونيل مانجان إلى الأطلس المتوسط، فواجهت في تادلة مقاومة موحى أوسعيد وموحى أوحمو الزياني، وبعد احتلال تادلة في أبريل 1913 وبني ملال في صيف 1916، تحصن موحى أوسعيد في القصيبة إلى غاية أبريل 1922، في حين لجأ موحى أوحمو إلى خنيفرة، حيث انسحب منها ليدخل إليها الجيش الفرنسي بقيادة الكولونيل هنريس ، ثم هاجم الزيانيون القوات الفرنسية في معركة الهري في نونبر 1914، واستمر حصارهم للفرنسيين إلى أن قتل موحى أو حمو في معركة أزلاغن تزمورت سنة  1921

في الريف

شهدت المنطقة مقاومة الشريف محمد امزيان التي انتهت باستشهاده في مايو 1912، وظهرت بعد ذلك مقاومة محمد بن عبد الكريم الخطابي منذ غشت 1920، الذي وحد القبائل الريفية ونظم الجيش، واستطاع قهر القوات الإسبانية بقيادة الجنرال سيلفستري Sylvestre في معركة أنوال يوم 21 يوليوز 1921،

وأخرج الإسبان من عدد من المناطق الشمالية، وحاول الخطابي بعد ذلك التوجه نحو فاس، فبدأ منذ سنة 1923 التحالف الإسباني الفرنسي حيث جندوا 800ألف جندي مقابل 20 ألف ريفي، وتم استخدام أسلحة حديثة ومنها الأسلحة الكيماوية، فاستسلم الخطابي في27 مايو 1926، ونفي إلى جزيرة لارينيون ، لسيستقر بعد ذلك في مصر إلى غاية وفاته

في الأطلس الصغير والكبير

لعب القايد التهامي الكلاوي دورا هاما في إخضاع القبائل الأطلسية والجنوبية، واحتلت فرنسا منذ سنة 1920 مناطق تافيلالت ودرعة وجبل صاغرو، وأخضعت قبائل آيت عطا في دادس وتودغة، وقضت في درعة على مقاومة بلقاسم النكادي في يناير 1934، وفي الأطلس الكبير كانت المواجهة بين القوات الفرنسية وقبائل آيت عطا بقيادة المقاوم عسو أوبسلام في معركة بوغافر، وستنتهي المقاومة في 25 مارس 1933، حيث تمكنت فرنسا سنة 1934 من احتلال كل التراب المغربي بعد القضاء على المقاومة المسلحة

عرفت فترة الثلاثينات والأربعينات مطالبة الوطنيين بالإصلاحات وبالاستقلال

1- كان لإصدار الظهير البربري دور في ظهور المقاومة السياسية:

نشأة الحركة الوطنية في المنطقة الفرنسية

– تنظيم الحركة الوطنية: كان للأمير شكيب أرسلان دور في حث الوطنيين على تنظيم صفوفهم، فتأسست بذلك كتلة العمل الوطني (أحمد بلافريج، محمد الحسن الوزاني…)، وأصدرت في غشت 1933 جريدة (عمل الشعب) التي دعت إلى الاحتفال بعيد العرش في 18 نونبر 1933 لربط الصلة بالملك محمد الخامس وتوطيد الاتصال بين السلطان والحركة الوطنية، والتأكيد لسلطات الحمايتين الفرنسية والاسبانية على عمق الروابط الدينية والروحية والرمزية والتاريخية والسياسية بين الملك والشعب المغربي

– وثيقة مطالب الشعب المغربي: وفي 1 دجنبر 1934، قدمت الكتلة وثيقة (مطالب الشعب المغربي) لسلطات الحماية طالبت من خلالها بمجموعة من الإصلاحات الإجتماعية والقضائية والثقافية، ففي المجال السياسي والإداري تمت المطالبة بإلغاء الإدارة الفرنسية المباشرة وتأسيس مجلس وطني و إلغاء وسائل التعذيب، وفي الميدان الاقتصادي والمالي تمت المطالبة بالمساواة في أداء الضرائب وحماية الصناعة التقليدية من المنافسة الخارجية وإلغاء الرسوم بين المناطق المغربية وتكوين تعاونيات فلحية، وفي الميدان الاجتماعي تمت المطالبة بإجبارية التعليم الابتدائي ومحاربة الأمية و محاربة البطالة وبناء المستشفيات وإقرار العمل 8 ساعات في اليوم فقط، بيد أن فرنسا لم تستجب لهذه المطالب، وفي سنة 1936 أرادت فرنسا إحداث مجالس استشارية رفضها الوطنيون، وفي سنة 1937 حدث الخلاف بين الوطنيين، فأسس علال الفاسي وأحمد بلافريج الحركة الوطنية لتحقيق المطالب

 في حين أسس محمد الحسن الوزاني الحركة القومية

-أحداث بوفكران: في شتنبر 1937 حدثت أحداث بوفكران بعد محاولة المعمرين حرمان المغاربة من مياه النهر، وتم خلالها اعتقال عدد من المواطنين، ونفي بعضهم  وفرضت على بعضهم الإقامة الجبرية
الحركة الوطنية في المنطقة الإسبانية

كانت تطوان منطلق العمل الوطني في الشمال حيث أصدر محمد داود جريدة (السلام) و(الحياة) سنتي 1933 و 1934، وقام عبد الخالق الطريس بتقديم لائحة مطالب لسلطات الحماية الإسبانية في12 دجنبر1936، وانقسم الوطنيون بتأسيس المكي الناصري (الوحدة المغربية) وعبد الخالق الطريس (الإصلاح الوطني)، وقد شهدت المنطقة منذ 1937تضييقا على الوطنيين

طالب الوطنيون والملك خلال الأربعينات بالاستقلال

– وثيقة المطالبة بالاستقلال: كان لاندلاع الحرب العالمية الثانية وانخراط فئات واسعة من العمال في المقاومة المغربية أثر في تطور مطالب الحركة الوطنية، فقد تم الإعتراف بالحق النقابي للعمال المغاربة سنة 1936، وتمكن العمال المغاربة سنة 1943 من تأسيس (اتحاد النقابات الموحدة بالمغرب)، وفي يناير 1944 تأسس (حزب الاستقلال) الذي قدم في 11 يناير وثيقة المطالبة بالاستقلال وقعها58 فردا تضمنت التأكيد على وحدة واستقلال المغرب تحت قيادة جلالة الملك محمد الخامس ومطالبة السلطان بالتدخل لدى الدول الأجنبية للاعتراف باستقلال المغرب وأن يقوم بالإصلاحات التي تضمن جميع حقوق وواجبات الشعب المغربي والمطالبة بتوقيع المغرب على الميثاق الأطلسي

وقد أعلن السلطان أمام الفرنسيين سنة 1944 أن نظام الحماية صار متجاوزا عندما شبهها بالقميص وأكد سنة 1945 في رحلته إلى فرنسا على ضرورة إنصاف المغرب، ورفض التوقيع على الظهائر التي تمس مصالح المغرب

– زيارة طنجة: في أبريل 1947 قام الملك محمد الخامس بزيارة طنجة حيث أكد في خطابه على وحدة وعروبة واستقلال المغرب، وقامت فرنسا قبل الزيارة بقتل عدد من سكان الدار البيضاء بهد عرقلة هذه الزيارة

ساهم الكفاح المسلح في تحقيق استقلال المغرب

كان لنفي الملك دور في اندلاع الكفاح المسلح

– نفي محمد الخامس: في بداية الخمسينات مارس المقيم العام جوان ثم الجنرال كيوم سياسة العنف والقمع تجاه الحركة الوطنية، وتم منع حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال وحظر الصحف، وقامت باعتقال الزعماء السياسيين، حيث استغلت في سنة 1952 فرصة قيام مظاهرات بالمدن المغربية احتجاجا على اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد يوم 5 دجنبر 1952، فقامت بحملة قمع شرسة أطلقت خلالها النار على المتظاهرين، حيث قتل في الدار البيضاء وحدها حوالي 16 ألف مغربي. وكان الجنرال كيوم يخطط مع الكلاوي وعبد الحي الكتاني من أجل إبعاد محمد الخامس، فتم نفيه يوم 20 غشت 1953 إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر، وعين محمد بن عرفة ملكا على البلاد، بعد فشل الإقامة العامة في فك الإرتباط الحاصل بين السلطان والتنظيمات السياسية، لكن المغاربة لم يعترفوا بالسلطان الجديد، وخرجوا في مظاهرات جماهيرية تردد شعارات وطنية ” ابن يوسف ملكنا… والمغرب وطننا “،  ابن يوسف يجي غدا… الاستقلال ولابدا


انطلقت في معظم المناطق المغربية مقاومة مسلحة عفوية (أحمد الحنصالي) منذ 1951، وقد تواصلت هذه المقاومة بعد نفي الملك ، وفي نفس الوقت نظم الوطنيون حركة الكفاح المسلح، وظهرت تنظيمات سرية استهدفت الخونة والإستعمار (منظمة الهلال الأسود)، وتصاعدت العمليات الفدائية التي نفذتها المقاومة المسلحة السرية، واستهدف المقاومون اغتيال ابن عرفة مرتين، كما استهدفوا اغتيال الباشا الكلاوي، إضافة إلى تخريب المنشآت الاستعمارية. وفي2 أكتوبر 1955 تم تأسس جيش التحرير الذي قاد عمليات مسلحة ضد الاحتلال الفرنسي في مختلف مناطق البلاد

نال المغرب استقلاله بعد سلسلة من المفاوضات مع الدول الاستعمارية

– مفاوضات إيكس ليبان: أدى تزايد حدة المقاومة المسلحة في معظم المناطق المغربية (أحداث الدار البيضاء وخنيفرة وأبي الجعد وواد زم وتادلة…)، وحصول المغرب على تأييد الجامعة العربية وحركة دول عدم الانحياز، لرفع قضية المغرب إلى الأمم المتحدة، إرغام السلطات الفرنسية على إجراء التفاوض مع السلطان وقادة الحركة الوطنية بمدينة إيكس ليبانAix les Bains ما بين 22 و27 غشت 1955 بين وفد وزاري فرنسي ووفد من الحركة الوطنية (عبد الرحيم بوعبيد، المهدي بن بركة، عمر بن عبد الجليل، محمد اليزيدي، عبد القادر بن جلون…)، وتم الإتفاق على إبعاد ابن عرفة وعودة الملك من المنفى لاستكمال المفاوضات

– لقاء لاسيل سان كلو: عاد الملك من المنفى إلى فرنسا (ونقل ابن عرفة إلى طنجة ثم فرنسا)، وتم لقاء في لاسيل سان كلو La celle saint cloud بينه وبين وزير خارجية فرنسا أنطوان بيني، وعاد الملك إلى المغرب يوم 16 نونبر 1955، وشكل حكومة ائتلافية ستقوم بإتمام مفاوضات لاسيل سان كلو في 2 مارس 1956 نتج عنها إعلان استقلال المنطقة الفرنسية

– المنطقة الشمالية (لقاء مدريد): تم اللقاء بين الملك والجنرال فرانكو يوم 17 أبريل 1956 نتج عنه استرجاع المنطقة الشمالية

– منطقة طنجة (لقاء المحمدية): تم في أكتوبر 1956 تنظيم لقاء دولي بالمحمدية نتج عنه استرجاع طنجة

المناطق الجنوبية

في أبريل 1958 تم استرجاع طرفاية.

في 30 يونيو 1969 تم استرجاع سيدي إفني.

في 16 أكتوبر 1975أصدرت محكمة العدل الدولية بلاهاي رأيها بوجود روابط بيعة وقانونية بين سكان الصحراء وملك المغرب، فتم تنظيم المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 1975 استرجع بعدها المغرب الساقية الحمراء ثم وادي الذهب سنة 1979
خاتمة

بعد فرض الحماية الفرنسية والاسبانية على المغرب سنة 1912، انطلقت المقاومة المسلحة في جميع أنحاء المغرب ملحقة هزائم متعددة بالمستعمرين، لكن عدم تكافؤ القوة العسكرية والمالية ساهم في القضاء على المقاومة المغربية خلال فترة الثلاثينات، لتنطلق الحركة الوطنية مطالبة بالإصلاحات إلى غاية الأربعينات، وبعدها طالبت بالاستقلال، واندلعت من جديد المقاومة المسلحة التي أرغمت فرنسا واسبانيا على الاعتراف بوحدة واستقلال المغرب سنة 1956، وبعد ذلك استكمل المغرب سيادته ووحدته على جميع ترابه من طنجة إلى وادي الذهب

http://www.histgeo.net

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى