مشاهير آفيان

الجد بوقدير حياة و كفاح ـ الجزء الثاني

 boukdir

بعد هذه السنوات العجاف جاء عام فيه أغيث الناس ولبست الأرض زخرفها وربت وانبتت من كل شيء موزون ترسل بصرك فترى الأرض كأنها زرابي مبثوثة وترى التلال كأنها نمارق مصفوفة  أينما أرسلت بصرك ترى أزهار مختلفة بيضاء وصفراء وحمراء وبنفسجية وأنواع الكلأ والحشائش تخال نفسك في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها القلوب مطمئنة والألسن تلهج بذكر الله شكرا على نعمه التي لا تحصى تسمع طنين النحل يمتص رحيق الأزهار المختلفة يخرج من بطونها شراب مختف ألوانه فيه شفاء للناس وما أدراك ما عسل مارس كما قال الشاعر الحاج بلعيد رحمه الله (تامنت تنان ابي مارس اكلو يخيرن غوجديك) تسمع شقشقة العصافير وهي تبني أعشاشها على أغصان الأشجار وفي الحقول وفي الثقوب الموجودة بأسوار البيوت وتسمع ثغاء الشاه في المراعي وأفواهها مملوءة بالعشب الناعم الزكي الرائحة وأولادها تجري ذهابا وإيابا تمرح وتلعب بعد أن ملأت بطونها بلبن فصل الربيع الجيد وأصوات الناي تصدح فوق التلال يترنم بها الرعاة فربحين بهذا الفصل البهيج الذي يعد أحسن فصول السنة وتسمع كذالك زغاريد وأغاني الصبايا وهن يجمعن أجود أنواع الكلأ الناعم الملمس ألذيذ الطعم تأكله العجول الصغيرة لتنموا بسرعة وتسمن استعدادا لذبحها في فصل الصيف موسم الأعراس كما تمت خطبة عدد من الأبكار واستعد الشبان لدخول الأقفاص الذهبية 

لكن تهب الرياح بما لا تشتهي السفن وأمر الله نافذ إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون له الحكم واليه ترجعون ضرب الطاعون منطقة سوس وبينها (وكر راض) وبما أنهم مجتمع متماسك مساكنهم ملتصقة بعضها ببعض يصل بعضهم بعضا لا يفترقون يحب بعضهم بعضا ما عند الواحد منهم فهو ملك الأخر يصلون الأرحام ويطعمون الطعام ويزورون المريض يهتمون بالعجزة والأرامل والأيتام فأبى الله أن يفرق بينهم وتوافهم جميعا لم يبقى في( وكرا راض) من يشعل النار ومن يرعى ألا نعام كل من فيها مات وانقضى أثره

جلس بوقدير تحت شجرة بلوط كبيرة وارفة الظلال متفرعة الأغصان ينظر تارة إلى أغنامه تأكل الكلأ وتصعد أشجار البلوط بخفة بينما كلبه باسط ذراعيه أمامه واستغرق في سبات عميق أرسل بوقدير بصره في اتجاه الوادي أشجار الزيتون واللوز والجوز والتين والأعناب والرمان مزهرة ولابسة ألوانها الزاهية كأنها عروس ليلة زفافها أحواض من النعناع والحبق والورود تفوح رائحتها حتى بلغة عنان السماء تذكر أمه وإخوانه واقرأنه فتنهد وعاتب الجفاف الذي كان سببا لخروجه من بلده ولكن عسى أن تحبوا شيئا وهو شرا لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى