تقاليد

“إيض ن ئناير” .. احتفالية أمازيغية سنوية تكرس التشبث بالأرض والهوية

"إيض ن ئناير" .. احتفالية أمازيغية سنوية تكرس التشبث بالأرض والهوية

مع حلول كل سنة أمازيغية جديدة، يشمر أمازيغ المغرب، وحتى غير الناطقين بهذه اللغة، على سواعدهم من أجل تخليد رأس هذه السنة أو ما يطلق عليه بـ”إيض ن ئناير”، الذي يصادف يوم 13 يناير من كل سنة، وهو احتفال له طقوس وعادات وتقاليد خاصة تجمع بين إعداد وجبة “تاكلا” وما يرافق ذلك من مظاهر فنية وثقافية تنم كلها عن ارتباط بالهوية وبالأرض.

وإذا كانت هذه التقاليد والطقوس لا تختلف كثيرا بين مناطق المغرب، فإن القاسم المشترك بينها يكمن في الدلالات الرمزية لمختلف السلوكات الاحتفالية، وقد انتقلت هذه الاحتفالات من طابعها الضيق (بين الأسر والعائلات) بالبوادي والأرياف والقرى المغربية إلى التقاط رمزية الموعد من طرف هيئات المجتمع المدني ومختلف المؤسسات، لاسيما المهتمة بالثقافة الأمازيغية، فتجد الاحتفال يعم مختلف الفضاءات الخاصة والعامة، ويتخذ أشكالا جماعية في غالب الأحيان.

وفي هذا الصدد، قال لحسن باكريم، عضو “تكتل تمغربيت للالتقائيات المواطنية”، إن “الاحتفال بالسنة الأمازيغية لا ينكر أحد أنه مرتبط ببلدان شمال إفريقيا دون غيرها، من حيث عاداته وتقاليده وطقوسه ورمزياته المختلفة، ومن حيث زمانه ومكانه. أما بخصوص ظاهرة الاحتفال فنجد في كل الثقافات والحضارات وعند مختلف شعوب العالم ثلاثة أنواع من الاحتفالات: دينية، وطنية سياسية واحتفالات شعبية بيئية، مرتبطة بالبيئة وبتمثل مجموعة بشرية ما للمظاهر البيئية التي يتفاعلون معها بشتى العادات والتقاليد والطقوس وما يرافق ذلك من دلالات رمزية محايثة لمختلف سلوكاتها الاحتفالية”.

وأضاف أن ظاهرة الاحتفال عند المغاربة تستمد “عادات وتقاليد وطقوسا، كانت ولا يزال البعض منها مرتبطا بالمراحل الرئيسية للسنة الفلاحية المتمثلة في فصول السنة، كما هو الشأن بالنسبة لطقوس الخصوبة في فصل الربيع (احتفالات النزاهة)، وطقوس الماء والنار في فصل الصيف (احتفالات العنصرة والشعالة)، وطقوس الاستسقاء في فصل الخريف (احتفالات تاسليت ن ؤنزار وتّل غنجا)، وطقوس التضامن في فصل الشتاء (احتفالات ئنّاير)؛ وهي كلها مرتبطة بعلاقة الإنسان بالأرض خاصة، وبالطبيعة عامة وبالبيئة بصفة أعم”.

وعن أصل وتاريخ السنة الأمازيغية، أوضح باكريم أنه “فيما يتعلق بالحدث الذي اتخذ كمرجعية للتأريخ للسنة الأمازيغية، أي بداية للتقويم الأمازيغي، أشير إلى أن تقاويم معظم الشعوب والحضارات الإنسانية هي عبارة عن مواضعات تستند إلى توافق لم ينل دائما قبول كل الواضعين لجذره وكل المعنيين بهذا التأريخ، أي بداية التقويم، ففي السبعينيات اتخذ حدث وصول شيشونق الأول الأمازيغي سنة 950 قبل الميلاد إلى هرم السلطة المصرية الفرعونية بداية للتقويم الأمازيغي”.

وبخصوص الحديث عن البعد الاحتفالي يرى المتحدث ذاته أنه ينبغي أن “نميز بين مفهومين، هما السنة الفلاحية والسنة الأمازيغية، وينبغي أن نميز بين السنة الفلاحية الرومية التي تبدأ في 13 أكتوبر الميلادي الكريكوري؛ وبين السنة الفلاحية الأمازيغية التي تبدأ في 14 يناير الميلادي الكريكوري. أما الاحتفال بالسنة الأمازيغية فهو مظهر جديد وحداثي للاحتفال بالمناسبة نفسها، ولكن بوعي هوياتي ومرجعية تاريخية ومطلب سياسي وبعد بيئي وتقويم زمني ينهل مما له علاقة بتدبير الزمان في الثقافة الأمازيغية من تدبير لأشغال الفلاحة والرعي، والظواهر الطبيعية، وتغيرات الفصول، وعلوم التوقيت، والنوازل لدى الفقهاء الأمازيغ، وكذا المصطلحات اللغوية المرتبطة بالتقويم الزمني في اللغة الأمازيغية”.

أما فيما يتعلق بظاهرة الاحتفال ذاتها، فينبغي التمييز بين “الاحتفال الشعبي” و”احتفال الحركة الثقافية الأمازيغية” في انتظار “الاحتفال الرسمي”، يضيف عضو “تكتل تمغربيت للالتقائيات المواطنة”.

وفي هذا الإطار، يرى باكريم أن الحركة الثقافية الأمازيغية ساهمت في نقل الاحتفال بالسنة الأمازيغية من احتفال شعبي إلى احتفال عصري وحداثي، من حيث طرق وأشكال الاحتفال، ومن حيث مضامينه الثقافية والاجتماعية والسياسية، “إذ جعلته يخرج من بين جدران المنزل العائلي إلى فضاءات الجمعيات الثقافية والفنية، وإلى ردهات بعض المؤسسات والفضاءات العمومية، وتم اتخاذه مناسبة لعقد ندوات فكرية وتنظيم مهرجانات فنية وعرض لفنون الأطباق التي تهيأ بالمناسبة. كما أن الحركة الأمازيغية بادرت، منذ أواخر الستينيات، إلى تحويل هذا الاحتفال إلى مناسبة للمواضعة على تقويم زمني، على غرار التقاويم الزمنية للشعوب ذات الخصوصيات اللغوية والثقافية والحضارية المتميزة، والتي تجد لها مرجعية هوياتية في حدث تاريخي موثق ودال على مساهمة الأمازيغي في الحضارة الإنسانية”

هسبريس – رشيد بيجيكن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى