أدب و فنون

أغْگمّي وبناء الطين .. سلاح الأمازيغ أمام الحرِّ والقرِّ في الجبال

"أغْگمّي" وبناء الطين .. سلاح الأمازيغ أمام الحرِّ والقرِّ في الجبالارتبط عيش الأمازيغ بالجبل، حيث شيّدوا مساكنهم على طول سلسلة جبال الأطلس، وفي مناطق أخرى، واستقروا في الأعالي بعيدا عن السهول. ويرجع سبب ذلك، حسب الباحثين، إلى أن الجبل كان عاملا مساعدا يوفر لسكانه الحماية خلال الحروب التي كانوا يخوضونها ضد الغزاة إبان مختلف الحقب التاريخية

وتتسم أغلب المناطق التي يقطنها الأمازيغ في الجبال، خاصة في الجنوب، بطقسها الحار في فصل الصيف، حيث ترتفع درجة الحرارة إلى مستويات قياسية، وفي فصل الشتاء يتسم الطقس في هذه المناطق ببرودة شديدة؛ ما دفع قاطنيها إلى ابتكار حلول لهذا الإشكال المناخي صيفا وشتاء، تمثلت بالأساس في طريقة بناء البيوت وكذا المواد المستعملة في تشييدها

وفي الزمن الذي لم يكن فيه التيار الكهربائي متوفرا، ولم تكن آليات تلطيف الجو أيضا متوفرة، كان الأمازيغ يستعينون ببناء بيوتهم وفق هندسة معمارية خاصة وبموادّ بناء مستخرجة من الطبيعة تقي من حرّ الصيف ومن قرّ الشتاء، إذ يبنون بيوتهم إما بالحجر مع الطين أو بالطين وحده، مع جعْل الحيطان سميكة لتحافظ على البرودة أو الدفء حسب الفصول

وتتسم البيوت المبنية بهذه الطريقة بقدرتها على صدّ الحرارة الخارجية بنسبة كبيرة في فصل الصيف، وفي فصل الشتاء تلعب دورا عكسيا بصدّ البرودة وتوفير جو دافئ في الداخل؛ وإضافة إلى ذلك لا تخلو بيوت الأمازيغ في الجبال من فضاءات خاصة يأوي إليها قاطنوها عندما تشتد الحرارة، ومنها “أغْگْمّي”، وهو أشبه ما يكون بسرداب مظلم في الطابق السفلي عند مدخل البيوت

وإذا كان “أغگمي” فضاء يُحتمى به عندما تشتد الحرارة، فإن هذا الفضاء، حسب الباحث والناشط الأمازيغي عمر إفضن، ليس سوى واحد من الأشياء التي يتم الاعتماد عليها عند الأمازيغ لمواجهة حرارة الطقس وبرودته، بحكم أن المعمار الأمازيغي في عمومه، والمكوَّن أساسا من نوع خاص من التربة يسمى “أفزا”، هو الذي يتحمل الحرارة صيفا كما يتحمل شدة البرودة شتاء

وأوضح إفضن، في تصريح لهسبريس، أن البحث عن الحماية من الحرارة أو البرودة جعل الأمازيغ يعتمدون في بناء مساكنهم على الطين، لافتا إلى أن “أغگمي” يوضع ضمن هندسة البيوت في مدخل المنزل الكبير، ويكون مغطّى بنوع من الأخشاب عادة ما تكون من العرعار أو أرگان، وثمّة مناطق أخرى تعتمد النخيل

حاليا، لم تعد المساكن الجديدة تُشيَّد بمواد البناء هذه، إذ أصبح معمار القرى التي يقطنها الأمازيغ في الجبال لا يختلف في شيء عن المعمار السائد في المدن، حيث عُوّض البناء الطيني بالبناء بالآجور والإسمنت والحديد. ولا يرجع سبب استعاضة الناس بمواد البناء الحديثة إلى صعوبة البناء بالمواد القديمة، “بل لإمحاء المعمار الأمازيغي”، كما يرى الباحث عمر إفضن

ويوضح قائلا:  كم من مسجد ومبان أمازيغية تم تهديمها عوض ترميمها. المسألة تتعلق بسياسة التعمير والسكنى التي سيطر عليها منذ الاستقلال توجه معين أقرب إلى التصور المعماري الفردي عوض الجماعي الذي هو خاصية الأمازيغ؛ فبنْية السكن والمرفق عند الأمازيغ لها خصوصياتها، ومن ضمنها تلك التي تراعي تغير المناخ

ثمة سبب آخر يرى الباحث إفضن أنه أدى إلى توقف تشييد الأمازيغ لمساكنهم وفق النمط المعماري القديم، وهو أن البناء بالآجور، أو “الحضارة الإسمنتية”، كما سمّاها، تتحكم فيها شركات تستثمر في الإسمنت عوض نوع من التربة، إضافة إلى أن المسألة أيضا مرتبطة بتدبير العقار وإنعاش السكن، لافتا إلى أن الأجانب أصبحوا أكثر اهتماما بالثقافة الأمازيغية، ولهم الفضل في شراء مبان قديمة وترميمها مع الحفاظ على صيغتها الهندسية القديمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى