أدب و فنون

قرأت لكم : هل تحول «حزب الفيسبوك» إلى قوة ضاغطة على صناع القرار

 

imagesإعتبر مصطفى يحياوي، أستاذ علم الاجتماع السياسي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، أن تنامي تعاطي شرائح كبيرة من المجتمع المغربي للحياة السياسية عبر «الفيسبوك» هو تمظهر طبيعي من تمظهرات تعاظم وعي المواطنات والمواطنين بحقهم في المشاركة في الشأن العام، وبحثهم الحثيث عن مسالك للتعبير التلقائي عن مواقفهم من النقاش العمومي حول قضايا مختلفة.
إن الذي يجعل «شعب الفيسبوك»، خاصة الشباب، يتعاطون لهذه المواقع الالكترونية للتعبير عن شعورهم بعدم الرضا عن الفعل العمومي، هو خصائص هذه التقنيات ومردوديتها العالية في التأثير الاجتماعي، حيث توفر يسرا في التواصل، وحرية أكثر في التعبير، وسرعة أمثل في تعميم الخبر، وفرصة أوفر في مباركة المبادرات النقديةألاحتجاجية لكل ما يمثل «جورا أو ظلما اجتماعيا للسلطة أو تجاوزا للائق –أخلاقياء»، وحشد المساندة والتضامن مع المعلنين عنها. وهو ما يشكل بالفعل قوة ضغط ذات مشروعية «شعبية» تؤثر لا محالة في قرار الدولة، وتصبح بذلك أكثر إثارة واستعارة للانتباه والإثارة من أشكال التنديد والشجب السياسية التقليدية التي تلجأ إليها الأحزاب والنقابات لإسماع صوتها للدولة. إن الذي يجعل لهذه التجمعات الافتراضية أثرا على الفاعل العمومي هو كونها تتوفر على جميع مقومات الحركة الاجتماعية بمعناها السوسيولوجي، أي حدوث تجمع للأفراد، ووجود فكرة أو مطلبية اجتماعية يستجمع حولها الأفراد، ثم توفر فاعل صاحب الفكرة مبادر وقادر على توفير الحد الأدنى من تنظيم وتعبئة الأفراد المنخرطين في التجمع.
انطلاقا مما سبق بسطه، وأخذا بالاعتبار تنوع الحالات والمواقف ودرجة تأثيرها في الحياة العامة، سيكون من الصعب الحكم بالسلب أو الإيجاب على تنامي دور هذا الشكل الجديد في «الحشد الشعبي» والتعبئة الاجتماعية ومآله في ظل اعتماده على العفوية وشيوع منطق الانطباع المشترك اللحظي في تتبع قضايا الشأن العام. فمن جهة، نلاحظ أن هناك تزايدا في انصهار نشطاء النيت في مجموعات حوارية تحت عناوين سياسية أو اجتماعية من صميم الواقع اليومي، ومن جهة ثانية نلاحظ أن مطلبيتهم ومرافعاتهم وشعاراتهم تكاد في كثير من الأحيان تفتقد للعقلانية، وتعتمد على الإشاعة؛ حتى يصبح المشترك بينها التعبير النفسي الذاتي عن حالة الغضب والنقم الاجتماعي على كل مظاهر الارتقاء أو الوجاهة المسنودة بشرعية ما كالشرعية الانتخابية التي يستند إليها البرلمانيون وأعضاء الحكومة المنتخبة. وهو ما يقلل، في آخر المطاف، من جدية مطالبها وواقعيتها، ويؤثر على مصداقيتها ومشروعيتها.
إن حيوية المشاركة السياسية لهؤلاء النشطاء لا تزال في خانة ما يصنف عادة في الأبحاث السوسيولوجية بالحركات الاجتماعية والاحتجاجات السلمية التي لا تتحرك بمنطق الأحزاب السياسية، ولا يمكن ولن تسعى لتحل محل الأحزاب. فبالرغم من أنها تشكل تمظهرا من تمظهرات الدينامية المجتمعية التواقة للتغيير، إلا أنه لا يمكن موقعتها، في تحليل السيرورة التاريخية التي يمر بها ورش الانتقال نحو الديمقراطية في المغرب، باعتبارها شكلا نضاليا مستوفيا لشروط الاستمرارية والنظامية والكفاية المؤسساتية التي تسمح بتعويضه لنضالات فاعلين آخرين. ولهذا، وجب اعتبارها جزأ من دينامية تغيير أشمل تمكن من ابتكار أساليب ضغط جديدة قادرة على استحداث الأثر وتعبئة الرأي العام حول قضايا مخصوصة. فالأهم بالنسبة لهذه الفئة من نشطاء الفيسبوك ليست استدامة التعبئة الاجتماعية حول مشروع سياسي للتغيير، بل الاستثمار اللحظي الجيد لوسائل التواصل الإلكتروني المتاحة لإحداث وقع سياسي مخصوص بالإجابة عن قضية بمحتوى جزئي أقل كلفة مما يقتضيه المشروع السياسي المهيكل. وهنا تبرز محدودية عمل هذا النوع من الاشتغال على القضايا السياسية، فهو يحمل في طياته بذور تناقض لقوته وضعفه: فهو فعل مُعْدّ وسريع الانتشار، ولكنه كذلك متقطع ويندثر بسرعة وغير حامل لمشروع استراتيجي في التغيير.
بتصرف عن www.almassaepress.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى