فلاحة

الشعير نبات طبي وليس أكل عادي أو علف للحيوانات

 

أغلبنا إن لم أقل جميعنا تركنا دقيق الشعير الذي تنتجه أرضنا أفيان ، دقيق خالص و طبيعي مائة في المائة و غني بالفيتامينات و الألياف الضرورية لصحة جيدة ، و اتجهنا إلى دقيق السوق المصنع ، حتى أهالينا هناك في أفيان لم تعد لهم الرغبة في حرث و زرع الأرض شعيرا ؛ لكن من يقرأ هذا الموضوع العلمي حول فوائد الشعير سيدرك أن أباءنا و أجدادنا كانوا محظوظين و أكثر ذكاء

فوائد حبوب الشعير

تخفض الكولسترول وتعالج القلب

أثبتت الدراسات العلمية فاعلية حبوب الشعير الفائقة في تقليل مستويات الكولسترول في الدم من خلال عدة عمليات حيوية، تتمثل فيما يلي

أ. تتحد الألياف المنحلة الموجودة في الشعير مع الكولسترول الزائد في الأطعمة فتساعد على خفض نسبته في الدم

ب. ينتج عن تخمر الألياف المنحلة في القولون أحماض دسمة تمتص من القولون، وتتداخل مع استقلاب الكولسترول فتعيق ارتفاع نسبته في الدم.

ج. تحتوي حبوب الشعير على مركبات كيميائية تعمل على خفض معدلات الكولسترول في الدم، ورفع القدرة المناعية للجسم مثل مادة “بتا جلوكان” B-Glucan والتي يعتبر وجودها ونسبتها في المادة الغذائية محددا لمدى أهميتها وقيمتها الغذائية

د. تحتوي حبوب الشعير على مشابهات فيتامينات “هاء” Tocotrienol التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكولسترول، ولهذا السبب تشير الدلائل العلمية إلى أهمية فيتامين “هاء” الذي طالما عرفت قيمته لصحة القلوب إذا تم تناوله بكميات كبيرة

وعلى هذا النحو يسهم العلاج بالتلبينة ,  أليس هذه الوصفة هي ما يعرف عندنا ب المريس أو ربما أزكيف ؟ في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية؛ إذ تحمي الشرايين من التصلب -خاصة شرايين القلب التاجية- فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية (Ischemia)، واحتشاء عضلة القلب ( Heart Infarction)

مقدمة عامة

لما نتكلم عن الحبوب فإننا نعني الحبوب الطبيعية من شعير وقمح وحنطة وذرة، بدون تغيير وراثي أو إدخال أية تقنية من شأنها أن تزيد في الإنتاج أو تغير من طبيعة المادة، ونصائحنا تعتمد على العلم بالأشياء وليس الإعلام بالأشياء، وقد لاحظنا أن هناك تهور كبير فيما يخص كثير من المعلومات الغير مدققة، والتي تصل إلى المستهلك عبر الفضائيات وعبر المواقع المعلوماتية. ونخص كل المواد الغذائية، فنبتة القمح التي تهافت الناس عنها ربما تكون مهلكة، لأن القمح طرأت عليه تغييرات جينية خطيرة، فنبتة القمح جد مغذية وتقي من كثير من الأعراض، لكنها قد تقتل إذا لم يكن القمح طبيعيا وليس مهجنا أو مغيرا وراثيا. والشعير كذلك طرأ عليه تغيير هائل، لأن الأبحاث كان تتعامل معه على أساس أنه علف، فعمدوا إلى تغييره وتحويره لكي يعطي مردودية عالية فقط، أما الخصائص التركيبية فلا تهم. والدقة في الأِشياء لا يترتب عنها خطر، بينما الأقاويل التي لا تستند إلى الدقة قد تكون سلبية، وتؤدي إلى أخطار يصعب مراقبتها. وكقاعدة عامة في ميدان التغذية والصحة، فإننا نتكلم عن المواد الطبيعية التي لم يطرأ عليها تغيير وراثي أو جيني، والتي لا تزرع أو تنتج خارج موسمها، بمعنى أن منتجات الدور الزجاجية تخرج عن المواد الطبيعية، والتي لا ترش بالمبيدات، والتي لا تستعمل لها أسمدة كيماوية، أو أي مركبات من شأنها أن تؤثر على فايزيولوجيتها ونموها الطبيعي

الشعير الأخضر Green barley

الشعير الأخضر هو نبتة الشعير من طور الإنبات إلى أن يقترب من إخراج السنابل، ويسمى بالمصطلح المغربي حسب جهات المملكة ب “كلاس”، وهذا المنتوج انتبه له الإنسان منذ زمن طويل لكنه اندثر، كما اندثرت خبرات عديدة في علم التغذية، أو طمست إبان مرحلة الاستعمار. وقد تبين من خلال أبحاثنا الإيتيولوجية، أن الشعير الأخضر لم يكن يستهلك في المغرب لسد الرمق، وإنما لأغراض صحية ومنها الإمساك المزمن وفقر الدم، كما كان يستعمل كذلك ضد طفيليات الأمعاء وضد الضعف الجسماني والخمول. والشعير الأخضر لا يعرفه الناس إلا في البادية، وحتى في البادية فقد أصبح الناس لا يرضون باستهلاكه، وربما لا يصدق أحد هذا الأمر لكن اغتراب هذه الأشياء كان سببه العلوم التي لم تتطرق الى الحقائق الإيتيولوجية، ولم تتطرق الى الحقائق التابتة في عادات وتقاليد الناس، والسبب في هذا الوضع هو تنكر الباحثين لقيم الأجداد فهما منهم وضنا أنها متجاوزة ومتخلفة، حتى أصبحنا نجهل الطبخ وضيعنا الخبرة في الميدان الغذائي، إلى أن أصبحنا نقلد الدول الغربية في طريقة الطبخ بل في كل شيء. وسنحاول عبر هذه السلسلة أن نبين إن شاء الله بعض الرصيد العلمي الذي كان سائدا لنساهم في إرجاع الأمور إلى أصلها، ليكون لنا على الأقل عادات غذائية بعدما أصبح المستهلك يعيش على القياسات الدولية، وكأننا لا علم ولا علماء لنا، بل وكأن الأمة كانت تعيش في الأدغال حتى ظهر البحث العلمي. وسنصحح بعض الأخطاء الشائعة في علم التغذية والتي أدت إلى كوارث على المستوى الصحي، وإلى خراب على مستوى الاستراتيجية الغذائية والاقتصادية

تحتوي نبتة الشعير الأخضر على مكونات غذائية هائلة لا توجد في نباتات أخرى، وعملية الإنبات تغير من فايزيولوجيا النبات، من حيث تتحول المكونات المخزونة في الحبوب إلى مكونات ذات الأهمية البالغة في التغذية. وتظهر بعض المكونات التي لا توجد في الشعير اليابس بينما توجد في الشعير الأخضر، وربما يظهرالشعير الأخضر كمادة غذائية غريبة على الناس، خصوصا مع النصائح الخاطئة التي دأب الناس عليها مند سنوات، ظنا منهم أن العلوم تقدمت وأصبحت قادرة على كل شيء، ونسوا أن العلوم ليست وحيا من الذي خلق الكون. فالعلوم يجب أن تسخر للإنسان وهذه الطريقة هي التي جعلتنا نقف على حقائق، ربما تجعل الناس يندمون على تصديقهم الأعمى لكل ما قيل ويقال حول الأغذية وعلاقتها بالأمراض المزمنة. وللتذكير فقط فإن الشعير الأخضر يساعد أصحاب السكري والمصابين بالسرطان وأصحاب الإمساك المزمن وهو حمية قوية للنساء الحوامل والأطفال بما في ذلك الرضع وهو يريح المصابين بالحساسية ويحد من السمنة بل هو المادة الوحيدة التي تصلح كحمية لخفض الوزن والسمنة

ومن بين ما توصلت اليه العلوم فيما يخص الشعير الأخضر، أنه يساعد على بناء الدم لغناه بالحديد وطبعا فتمثيل الكريات الحمراء من أهم ما يجعل الجسم ينشط جيدا، ولذلك فالشعير يحد من انخفاض الضغط وفقر الدم والأنيميا. والكريات الحمراء هي التي توزع الأوكسايجن على الجسم وتزيل السموم من الجسم، ولذلك فالشعير الأخضر يحد من السرطانات. والشعير يحتوي على الفايتمن س بكمية تعادل خمسة أضعاف الكمية الموجودة في الحوامض، ويحتوي على الكالسيوم بكمية ضعف الكمية الموجودة بالحليب وكمية الحديد الموجودة في الشعير الأخضر تفوق الكمية الموجودة بالإسبانخ بخمس مرات. ويحتوي الشعير الأخضر على كل الفايتمينات وعلى كل الأملاح المعدنية وعلى الكلوروفايل وعلى الكاروتينات والفلافونويدات ونشير الى أن كمية حمض الفولك توجد بكمية كبيرة في الشعير الأخضر، ليكون الشعير الأخضر من المواد التي يجب على النساء الحوامل أن يتناولوها لأن حمض الفولك ضروري للنمو الجيد للجنين خصوصا نمو المخ أثناء الأشهر الأولى من الحمل. وعلاوة على هذه التركيبة الغنية والهائلة فإن الشعير الأخضر يحتوي على الأنزيمات الضرورية للتأكسد والاستقلاب داخل الجسم. وهناك مكونات أخرى تدخل في التركيب الدقيق للشعير الأخضر ومنها مكون الأكسدة للدهنيات succinate ومكون –O-glycosylsoritexin وبعض الأنزيمات الأخرى التي تساعد على ضبط المفاعلات الكيماوية داخل الجسم. ويعرف الشعير في علم الطب الغذائي أنه منشط للكريات الحمراء ومحفز لتجديدها ومطهر للدم. وبما أن الشعير يعد غنيا بالأملاح المعدنية والفايتمنات وبعض المكونات الكيماوية الطبيعية الأخرى فهو المادة الغذائية الوحيدة من بين الحبوب والنشويات التي تساعد على خفض الوزن والوقاية من السمنة. وبهذه الخصائص يكون الشعير الغذاء الذي لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لتغذية الأطفال والنساء. ونظرا لتركيبته الغنية بالأملاح الثنائية من الكالسيوم فالشعير يحد من أثر الكورتيكويدات بالنسبة لمتناولي هذه العقاقير

ورغم كل هذه المعطيات العلمية حول الشعير الأخضر يبقى الميدان ناقصا من حيث المعلومات المتعلقة بأهمية الشعير في التغذية. ونرى أن هناك أشياء لا تزال خارج البحث العلمي نظرا لجهل استعمالها. وهناك العديد من المواد الغذائية التي تحضر من الشعير وأشهرها التلبنة، وسميت بهذا الإسم لأنها تحضر من حبوب الشعير الأخضر لما تتلبن، أو بمعنى آخر لما تصل إلى طور التلبن. وهو الطور الذي تكون فيه الحبوب عبارة عن سائل أبيض متامسك كاللبن تماما. وهذا الطور هو الذي يدل على أعلى تركيب كيماوي بالشعير وليس هناك ما يعادله من حيث القيمة الغذائية والحميوية. وقد توصلنا عبر البحث الاستقرائي في المغرب أن هذه المادة كانت تدخل في النظام الغذائي العادي، وكانت كل النساء تحضرها، كما كان تلبن الشعير يتزامن مع فصل اللبن المتخمر أو ما نسميه بلبن الخض، من حيث يمزج سميد الشعير الأخضر مع اللبن ليعطي أحسن وأعلى ما يمكن أن نجد في الطبيعة منا لناحية الغذائية والحميوية، وسنتطرق إلى ذلك بالتفصيل في الفقرة الموالية

حبوب الشعير الأخضر fresh barley grains

من المعلوم والمألوف عند كافة سكان البادية المغربية، أن أول المحاصيل الزراعية تبدأ مع حصاد الشعير، والتي تكون في أواخر شهر ماي تقريبا وهي المرحلة ما قبل اصفرار الشعير وجفافه ليحصد ويصبح جاهزا للطحن والاستهلاك. يلجأ المزارعون إلى أخذ سنابل الشعير عند النضج، وقبل أن تجف وهو طور التلبن، حيث تكون في الطور الأخير من النضج، ثم تجفف برفق على النار إلى أن تصبح جافة، فتطحن ويأخذ منها الدقيق الأحمر الرقيق وهو ما يسمى باللغة الدارجة المغربية البندق، ويستهلك مباشرة إما مع اللبن أو الحليب أو أي سائل آخر، بينما ينقع الدقيق الثاني، وهو على شكل سميد كبير الحجم في اللبن المخمر لمدة تتراوح بين ساعتين و أربع ساعات ليؤكل مباشرة بعد ما ينتفخ بامتصاصه اللبن المخمر، وهو من الوجبات الغذائية الجيدة والممتازة من الناحية الغذائية لسببين: الأول لأن نسبة المكونات تكون بمستوى عالي، وثانيا لأن خصائص اللبن تغير من تركيبه الكيماوي. فالبكتيريا اللبنية تحلل حمض الفيتيك (phytic acid) الموجود في الدقيق لتحرر المعادن من حديد وزنك ومنكنيز وماكنيزيوم وفسفور. ويجتمع في هذه الوجبة كل من الشعير واللبن المخمر أو لبن الخض ليعطي أحسن وأعلى وأجود مادة غذائية من حيث التركيب الحراري والأملاح المعدنية والفايتمينات والمكونات الأخرى التي تدخل مع عوامل النمو والهرمونات أو الأنزيمات. ولا يوجد ما يعادل هذه الوجبة في الطبيعة بالنسبة للأطفال والنساء الحوامل والمسنين. وإذا اجتمع اللبن المخمر وهو أسهل للهضم من الحليب والشعير الأخضر وهو أعلى من القمح فيما يخص الأملاح والفايتمينات ومكونات أخرى لا تنوجد في القمح والذرة. وقد كان يعطى هذا الأكل للأطفال على الخصوص، وكانت هذه العادة الغذائية معروفة في كل أقاليم المغرب، وتتبع نفس الطريقة للحصول على هذه المكونات. وهو ما يعني وجود خبرة وأن الناس كانوا يعلمون ما يأكلون، لأنهم كانوا هم الذين يهيؤون ويحضرون هذه المنتوجات، وكانت هذه الخبرة تنتقل تلقائيا من الأم إلى البنت

ويمتاز الطحين الأول أو الدقيق وهو “البندق” أو “الزميتة” بكونه يحتوي على الجزء الخارجي للحبوب أو الغلاف، وهو غني بالأملاح والفايتامينات ويشبه شيئا ما النخالة، أما السميد فيحتوي على مكونات الحبوب الداخلية، ويكون أبيضا شيئا ما، وينتفخ بنقعه في اللبن المخمر، وطعمه جد لذيذ لأنه تغلب عليه الحموضة، كما تختلف باختلاف نكهة الشعير مع نكهة اللبن لتعطي غذاءا لذيذا سهل الاستساغة يحبه كل الناس وخصوصا الأطفال. وقد أوشكت هذه العادة الغذائية أن تنقرض وتتوارى كما توارت عادات غذائية أخرى لعدم معرفة أهميتها الصحية، وتجاهلها والتنكر لها لأنها متخلفة، ويدخل التخلي عنها في تأطير التحولات الغذائية التي تسعى إلى مسح الرصيد المعرفي في ميدان علوم التغذية، والتي كان سببها التأثر بالحضارة الغربية في كل الميادين. ونتدارك الآن ما قد يحدث من ضياع في ميدان علوم التغذية، لتبقى على الأقل بعض الرسوم التي من شأنها أن تقنع أصحاب الميدان بالبحث العلمي. وهذا التأطير الذي نهج استبدال المواد التقليدية بالمواد الصناعية بحجة أن هذه الأخيرة مراقبة وتخضع لشروط صحية ومعايير علمية متفق عليها دوليا، ما هو إلا شباك أو شراك اقتصادي وسياسي للتمكن من المستهلك. وليس غريبا أن تنهج الشركات سياسة التاطير عبر العلوم والندوات والإشهار المفرط لكن الغريب هو أن الباحثين في الدول المستهدفة ينزلقون وراء هذا النهج ويؤمنون به إيمانا راسخا

وقواعدنا الغذائية تمتاز على الأبحاث العلمية بكثير، لأن استهلاك الشعير أمر وارد، وأكثر من ذلك فهناك مواد تحضر من الشعير تكون جد نافعة للإنسان وخصوصا الأطفال، فالشعير حين ينضج الحب في السنابل، ويبدأ في الإصفرار أو ما يسمى عند المزارعين بطور اللبن، يعني أن الحبوب لا تزال طرية لم تيبس بعد، فتأخذ السنابل وترمى في النار لإزالة الغلاف ثم تحك للحصول على الحبوب التي تسخن على النار في آنية من الطين إلى أن تجفف وتصبح جاهزة للطحن حيث يغربل الطحين ليفصل الدقيق عن النخالة

الشعير اليابس barley

لا شك أن الحبوب تمثل المصدر الرئيسي للغذاء اليومي في جل الدول خصوصا الدول العربية، وقد اقترن الخبز برمز العيش الكريم الحلال. ولا شك أن هذا المصدر يشكل موضوعا لنقاشات عديدة فيما يخص القيمة الغذائية، وقد عشنا زمنا أشيع فيه بين الناس أن الخبز غذاء الفقراء، وأن المواد البروتينية هي غذاء المجتمعات الراقية، وساد هذا الاعتقاد حتى أصبح راسخا، وتعمم بشكل غريب وعشنا هذه الفترة التي أصبحت البشرية تتبع فيها كل الوصايا التي تأتي من الغرب، وتؤخذ على أساس أنها من الباحثين الكبار، وهي ليست إلا خزعبلات وتخمينات بشرية ناقصة وتافهة. والغريب في الأمر أن المثقفين وأصحاب الميدان انزلقوا مع هذا الاعتقاد الخاطئ، وسلم الجميع للعلوم لتشاع هذه النظرية، نظرية البروتينات، حتى أصبح المدرسون يوصون ويعلمون التلاميذ الحرص على أكل اللحوم ولو بيضة في اليوم. وذهب الباحثون في الدول الراقية إلى القول أن المواد البروتينية من لحم وحليب وبيض وسمك وما إلى ذلك من المواد البروتينية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، أما المواد الأخرى ومنها الشعير والدرة فلا دور لها في التغذية

ومع هذا الخطأ العلمي الشنيع كالعديد من الأخطاء العلمية، بدأت تظهر بعض الأعراض، نتيجة التخلي عن الحبوب، ومنها بعض أنواع السرطانات كسرطان المعي الغليض. وتنبه العلماء إلى هذا الخطأ، فرجعوا إلى حث الناس على أكل الألياف الخشبية والمواد الغنية بها، ووصل بهم ذلك إلى استهلاك النخالة، وبعض المواد العلفية الأخرى، فكان أن وصلت العلوم بتقدمها وازدهارها إلى استبدال أكل الإنسان بأكل الماشية، وهو هدية علوم التغذية للبشرية بأمريكا وأوروبا. والطامة الكبرى التي تعاني منها البلدان التي ليس فيها بحث علمي، هي عدم تجديد وإعادة التكوين لجعل الباحثين والأطباء يواكبون ما استجد، وليكونوا على الأقل على علم بما وصلت إليه الدول الصناعية في ميدان البحث وكذلك استكمال التكوين وتدارك ما فاتهم من المعلومات والمعارف والنتائج العلمية. وهذه الطامة تنعكس على الحياة الاجتماعية وتزيد من حدة الأمراض على اختلافها، وتنهك الاقتصاد بل وتحطمه بدون شعور. والجرأة على الميدان الغذائي أصبحت ظاهرة، بل أصبح كل الناس ينصحون بتناول مواد، واجتناب مواد أخرى على هواهم واستنادا إلى مقولة: قالوا أن…… أو سمعت أن ……

أما الأصل في التغذية فيذهب إلى أبعد من ذلك، فاستهلاك الشعير كان أصلا في التغذية وليس استتناءا، لأن المزارعين والفلاحين وهم أدرى بعلم التغذية، كانوا يستهلكون الشعير حلما ينضج وهو شهر مأي ويونيو، وكذلك الذرة في فصل الخريف شتنبر أكتوبر، وهو ما يبين أن الشعير والذرة لم يكن طعام الفقراء والمعوزين، وهذا الأصل يجعل الإنسان يستفيد من كل المزايا الغذائية والصحية الموجودة في الحبوب، أما المجتمع الغربي فلا يصنف الذرة والشعير ضمن تغذية الإنسان، وإنما يعتبرها تغذية للماشية، ووضع بعض المسلمات التي منها أن الشعير والذرة، يجب أن يعطا للحيوان ليتحول النشا إلى بروتينات، ثم نأكل آنذاك الحيوان أو البروتينات، هكذا زعم علماء الميدان، وهو زعم سخيف لأن الأبحاث الأخيرة بينت أن العناصر الموجودة في الشعير والذرة تكاد تكون أهم بكثير من العناصر الموجودة في القمح أو في عدة مواد أخرى، وهي مواد أساسية في التغذية خصوصا للأطفال

ولكون الشعير أول محصول زراعي من الحبوب، فإن المزارعين يستهلكون هذا المنتوج حالما يحصد، من حيث يعمد الناس إلى طحنه واستهلاكه بعد حصاده ويكون استهلاك الشعير في شهر يونيو ويوليوز على الخصوص، ويستهلك على شكلين الدقيق والسميد. وتتكون النخالة من غلاف الحبوب وتستخرج بسهولة، أما الدقيق فيعجن ويخمر ويعطي خبزا بمذاق وطعم جيد من حيث لا يجد المستهلك أي صعوبة في استهلاكه ونظرا لتعميم هذه العادة فإن كل الناس في الأرياف يستهلكون الشعير، ولا يقترن بمستوى الأسر أو مركز الإجتماعي كما لا يقتصر على الفقراء، ويستهلك السميد إما كطعام يسقى بالمرق والخضر واللحم، أو بدون لحم كما قد يسقى باللبن، وهو السائد عند سكان البادية وتسمى هذه الوجبة باللغة المحلية بالسيكوك وهو عبارة عن كسكس الشعير الذي يطهى بالبخار تماما كما يطهى الكسكس، ثم يترك إلى أن يبرد ويصبح بحرارة عادية، حيث يضاف اللبن ويخلط ثم يأكل مباشرة

ونرى أن هذه الوصفات الغذائية تتوفر على عناصر غذائية هامة، لا يذكرها أصحاب العلوم في الميدان الغذائي، وهذه العناصر تتجلى في تكامل الوجبات التي تحضر من الشعير من حيث العناصر الغذائية، فدقيق الشعير غني بالأملاح المعدنية والأنزيمات مثل β-glucane وكذلك على مستوى عالي من حمض الفتيك، وهي المركبات التي تشد الأملاح المعنية وتحول دون امتصاصها بينما إذا مزج الشعير مع اللبن يصبح التركيب من حيث المكونات متكاملا: النشا، أملاح، بروتينات، ماء، فايتمينات، سكريات وما إلى ذلك. وفوق هذه الخصائص، فإن الباكتيريا اللبنية تحلل حمضيات الفيتات وتحرر الأملاح المعدنية، وكذلك بعض الاقتياتيات الأخرى كالفايتمينات والحمضيات الذهنية والبروتينات. ويوجد هذا الحادث في خبز الشعير المخمر بالخميرة التقليدية الحامضة، وهي خميرة تحتوي على الخمائر والبكتيريا اللبنية فيصبح المستوى الغذائي للشعير جد مرتفع

 


http://minkawailayka.forumactif.net/t589-topic

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم .كما تعودنا من بوقدير يوسف يزودنا دائما بمواضيع مفيدة وشيقة فشكرا لك يآخي على مجهودك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى