المزيد

التربية في خدمة التنمية

مفهوم التربية:

التربية هي عملية نقل مجموعة معارف ومهارات وقيم من الملقي إلى المتلقي. هذا التعريف يكاد يكون هو المهيمن على جميع التصورات والبرامج والسياسات التربوية بشكل عام. والغاية من التربية دائما حسب نفس المنظور، هي إنتاج سلوكيات وأفعال تساعد الفرد على العيش والعمل والاندماج وسط المجتمع.

خلال العقد الأخير من القرن الماضي، بدأ الحديث عن التربية برؤية ومنظور جديدين وذلك من خلال إعادة النظر في ماهية ومفهوم التربية. التربية مدى الحياة كان أهم مفهوم يتم استحداثه نظرا لشموليته من جهة، ومدى وقعه الإيجابي على إعداد الفرد من جهة ثانية.

 –  التعلم من أجل التعرف حتى يتسنى للفرد امتلاك ثقافة عامة وموسعة، مع إمكانية التخصص في بعض المجالات.

 –  التعلم من أجل العيش والتعايش مع الآخرين والذي يتطلب الإطلاع على الآخر كثقافة وتاريخ وتقاليد، حتى يتسنى إعمال منطق الشراكة والتعاون بين الأفراد والمجموعات.

  – التعلم من أجل المزاولة بحيث يجب إعداد الفرد من أجل امتلاك قدرة التكيف في الأعمال والعمل داخل المجموعات، إضافة إلى الجمع بين الدراسة والعمل. – التعلم من أجل اكتشاف الذات، والذي يركز على استغلال جميع طاقات الفرد مثل الذاكرة، المنطق، الخيال والإبداع، القدرات الجسمانية، الحس الجمالي، الحوار مع الآخر.

كل هذه الخصائص والسمات السالفة الذكر تشكل بنية مفهوم التربية مدى الحياة، والجديد أيضا في هذا المفهوم هو إطالة زمن وعمر الفعل التربوي مدى الحياة ليشكل قوة إضافية في يد الفرد والمجموعات البشرية لربح الرهانات المطروحة. كما يعتبر الامتلاك والتحيين والاستعمال أهم وظائف المسلسل التربوي حسب منظور مفهوم التربية مدى الحياة.

مفهوم التنمية:

التنمية بشكل عام هي سلسلة من الجهود الفردية والجماعية والتي تبدل بشكل واع والتي تهدف إلى إشباع حاجات الإنسان المتعددة والمتغيرة إضافة إلى المجال الذي يحيا فيه، وذلك بشكل عادل وفي احترام تام لكرامة هذا الإنسان. و التنمية تحتاج إلى تصور واضح متعدد الأبعاد وبناء متماسك وفعال. ويبقى التخطيط أهم آلية لبلورة وتجسيد هذه الرؤى على أرض الواقع. فالتنمية تستلزم التوفر على التفكير الاستراتيجي، والتخطيط الاستراتيجي الذي ينبني على مجموعة عناصر أساسية تسهم في نجاح التخطيط ونذكر منها: الرؤية الواضحة، القيم المرشدة، الصلاحيات، تشخيص الاحتياجات، الأهداف المركزية، الغايات، الخطة الاستراتيجية، خطط العمل ثم التنفيذ والمراقبة.

لا يكفي التوفر على تصور وبناء وخطاطات لإنجاح التنمية رغم أهميتهما القصوى، إذ لابد من التوفر على قدرات وموارد بشرية مبدعة وخلاقة لتجسد هذا التصور والخطاطات التنموية. من هنا تبرز أهمية تقوية قدرات الإنسان في عملية التنمية مع استحضار أن الإنسان هو الأداة والهدف في المسلسل التنموي.

علاقة التربية بالتنمية:

بداية لابد من طرح الأسئلة التالية:

* كيف يمكن تطوير قدرات الإنسان ؟

* ماهي الأداة الناجعة في هذا التطوير ؟

للحديث عن تطوير قدرات الإنسان لابد من الإشارة إلى حاجات هذا الإنسان، فالملاحظ أن هذه الحاجات تتطور بشكل عام بمعنى أن هناك حاجات طبيعية تفرضها طبيعة الإنسان، وحاجات تفرضها درجة التطور الحاصل في المجتمعات. تأسيسا على هذا يمكن أن نتحدث عن قدرات الإنسان، والسؤال الذي يطرح هو هل هذا الإنسان يعي كل قدراته؟ وهل يملك وعيا شاملا بكل قدراته؟ وهدا يدفعنا للتساؤل عن مدى توظيف هذه القدرات المكتشفة وغير المكتشفة بالشكل السليم في خدمة حاجاته ومن تمة تحسين مستوى عيشه في جميع المجالات؟ هذه الأسئلة تدفعنا للتساؤل مرة أخرى بأي أداة سنطور هذه القدرات؟ في نظري، أعتقد أن مفهوم التربية مدى الحياة بكل عناصره يجيب بشكل وافٍ عن الأسئلة المطروحة أعلاه. فالقدرات الإنسانية هي الطاقات والإمكانيات التي يتوفر عليها الفرد والمجموعات البشرية على السواء. وهذه الطاقات منها ماهو مهمل وما هو موظف بشكل سيء. فتطوير القدرات البشرية يستلزم توسيع الخيارات، بمعنى توفير إمكانيات متعددة أمام البشر. فتعدد الإمكانيات يعني في جوهره الحرية، الحرية الفردية والجماعية وهي حرية مشروطة بمعنى الحرية المنظمة والمقننة والتي تراعي مصالح كل الأطراف. من هنا تبرز أهمية التربية كأداة وكهدف في حد ذاته لتنمية وتطوير القدرات البشرية، فالتربية كأداة تعني أيضا التعلم واكتساب المعارف والمهارات والقيم من أجل العمل المنتج للفرد والمجتمع. وتعني أيضا التعلم من أجل كسب ثقافة عامة عن الإنسان الآخر، تاريخه، أسلوب عيشه، منطقه، مما يسهم في بناء التعايش مع الآخر. إضافة إلى تعلم التكيف والتحيين مما يسمح بإمكانية مزاولة مهام مختلفة وداخل مجموعات عمل متنوعة، إلى جانب التعلم من أجل اكتساب الذات كطاقات وقدرات .أما التربية كهدف، فتعني الوصول إلى التطوير وبالتالي إلى مستوى أرقى لهذه القدرات والطاقات، مما يستلزم المزيد من البحث والجهد لرصد القدرات غير المستعملة للرقي بها إلى أبعد مدى مما يسمح للإنسان بالاستفادة القصوى لطاقاته وقدراته بشكل عام.

إذا كانت وظائف المسلسل التربوي هي الامتلاك والتحيين والاستعمال فإن عناصر مفهوم التربية مدى الحياة تشكل أساس هذا المسلسل بشكل عام، على هذا الأساس يمكن إنتاج موارد بشرية قادرة على امتلاك رؤى وتصورات استراتيجية، موارد تحترف التخطيط المتعدد الأبعاد والقادرة على اقتراح المشاريع المنتجة والمندمجة، وتخلق آليات التنفيذ والتقويم والمتابعة لإنجاح الخطط التنموية.

ختاما نقول، إذا كانت التنمية البشرية عبارة عن خطاطات متناسقة ومتناغمة هدفها تلبية حاجات وكرامة الإنسان، فإن التربية مدى الحياة عموما، والتربية على التنمية بما فيها تنمية الإنسان والمجال بشكل خاص تشكل المادة الأولية الضرورية لهذه الخطاطات من جهة، و تعتبر هدف وغاية في حد ذاتها من جهة ثانية.

www.tanmia.ma

Talja Abderrezzak

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى