تقاليد

أزطا ـ نسج لخيوط المحبة والتضامن

 من الأدوات القديمة التي استخدمها الإنسان الامازيغي كثيرا  أزطا  أو ما يصطلح عليه ( آلة النسج )،وهي قديمة جدا بل ضاربة في القدم ، ويرتبط ظهورها على الراجح باكتشاف الإنسان للباس والقماش الذي يغطي به عورته ، غير أن أشكالها وأنواعها عرفت تطورات وتغيرات عبر الحقب التاريخية ، كما انها اختلفت حسب نوع القماش الذي تستعمله كل أمة من الأمم في حياتها اليومية وحسب التقاليد والأعراف التي تخص كل قوم من الأقوام.

ان الدافع الاساسي من وراء الحديث عن هذه الحرفة وهذه الالة هو ابراز دورها الاجتماعي والانساني في المجتمع المغربي بصفة عامة والامازيغي خاصة , اذ كان أزطا رمزا للتماسك الاجتماعي والتضامن والتعاون وكأن تلك الخيوط الصوفية تربط وتجمع ابناء القرية الواحدة ، يتعاونون من أجل نسج علاقات انسانية شعارعها الحب والوحدة 

وكلمة ( أزطا ) يمكن ان تطلق على الة النسج كما تطلق على قطعة الثوب المنسوجة وقد تطلق ايضا على عملية النسج بكاملها أي على الآلة والخيوط الصوفية

و( ازطا ) كما أسلفنا هي الة نسج تقليدية تختلف شكلا وحجما من منطقة الى أخرى ،الا أن استعمالها يبقى واحدا ، ويصعب تحديد عدد القطع والأجزاء التي يتألف منها ( ازطا )ولكننا سنحاول ان نذكر بعضها معتمدين في ذلك على الروايات الشفهية لبعض النساء اللواتي تعاملن مع هذه الالة ومن ذلك

 

ـ (افكيكن ) وهي اوتاد اساسية علوية وسفلية عليها يقوم ازطا
ـ ( تيمنضوين ) وهي الاوتاد الجانبية التي تمسك الخيوط
ـ ( تازكيكت ) و( اغانيم ) عمودان يتوسطان ( أزطا ) ويمسكان الخيوط
ـ ( انليتن ) وهو خيط مربوط بتازكيكت
ـ ( ازضو ) آلة كالمشط بها تدق خيوط النسج لاثباتها مع بعضها البعض
ـ و( تيلمي ) و( ايد ) تطلق على خيوط النسج
ـ ( أصوضف )عبارة عن مسمارين يشدان اطراف النسيج

ارتبط ( ازطا ) بالانسان الامازيغي ارتباطا قويا ، خصوصا النساء ،وبالإضافة الى كونه يقدم خدمة اساسية بتوفير اللباس والغطاء ، كان كذلك وسيلة لاستغلال الوقت الثالث ، فعندما تنتهي النساء من عملهن الروتيني اليومي ،طبخ و عجين وما الى ذلك ، تنتقلن الى معملهن الصغير للعمل والانتاج والترويح عن النفس

اذكر ، ونحن صغار، أن أحياء القرية كانت تعرف كلها نصب هذه الآلات الصغيرة في الكوض والدوكادير واكركم واغكمي نتسوكت وغيرها من الأماكن الرائعة في قريتي أمزاور
ومما لازلت اذكره و لازال يذكره الكثير من الأطفال الصغار في مثل سني انذاك، ما يعرف ب
تافولوست  وهي عادة تقوم بها النساء عند شروعهن في نصب ( ازطا )وهي عبارة عن قربان تقدمه النساء للصغار حتى يبارك الله لهن في عملهن واعتقادا منهن أن ذلك يجنب الخيوط من التمزق و مما يقدم فيها التمر واللوز والحلوى

وهكذا تشرع النساء في ورشاتهن لإعداد جلباب من الصوف أو قطعة ثوب للغطاء أو الفراش ،وقد يستغرق إنتاج جلباب واحد أسبوعا أو أسبوعين أو أكثر

كانت جلسات ( ازطا ) عبارة عن منتديات اجتماعية للنقاش والحوار والتسلية والترفيه وكذلك لعبادة الله تعالى والذكر ،كما كانت مدرسة تتعلم فيها النساء أمورا كثيرة سواء تعلق الأمر بفنون النسج وتقنياته او بأمور وشؤون الحياة بصفة عامة

واذا كانت البيوت المغربية بصفة عامة والامازيغية بصفة خاصة تحتفظ بالعديد من الجلابيب الصوفية الرائعة والأصيلة الا أنها بدأت تبتعد عن هذه الحرفة التقليدية التي ارتبطت بها لعصور كثيرة ، كما بدأت النساء (المعلمات) في أزطا ينقرضن وهو ما يهدد مستقبل هذه الالة التقليدية القديمة التي يجهلها الكثير من أبنائنا اليوم رغم انها رمز من رموز ثقافتنا وتراثنا وحضارتنا الامازيغية

بقلم : إبراهيم صريح

http://www.tamazirtpress.net

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى